لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

{ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله } قيل : أراد به في النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا أخبرتكما خبره في اليقظة ، وقيل : أراد به اليقظة يقول لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه يعني تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بتأويله يعني أخبرتكما بقدره ولونه والوقت الذي يصل إليكما فيه { قبل أن يأتيكما } يعني قبل أن يصل إليكما وأي طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم وهذا مثل معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام حيث قال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم فقالا ليوسف عليه الصلاة والسلام هذا من علم العرافين والكهنة فمن أين لك هذا العلم ؟ فقال ما أنا بكاهن ولا عراف وإنما ذلك إشارة إلى المعجزة والعلم الذي أخبرهما به { ذلكما مما علمني ربي } يعني أن هذا الذي أخبرتكما به وحي من الله أوحاه إليّ وعلم علمنيه { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله } فإن قلت ظاهر قوله أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله أنه عليه الصلاة والسلام كان داخلاً في هذه الملة ثم تركها وليس الأمر كذلك لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من حين ولدوا وظهروا إلى الوجود هم على التوحيد فما معنى هذا الترك في قوله تركت .

قلت الجواب من وجهين : الأول : أن الترك عبارة عن عدم التعرض للشيء والالتفات إليه بالمرة وليس من شرطه أن يكون قد كان داخلاً فيه ثم تركه ورجع عنه .

والوجه الثاني : وهو الأقرب أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما كان عند العزيز وهو كافر وجميع من عنده كذلك وقد كان بينهم وكان يوسف على التوحيد والإيمان الصحيح صح قوله إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله { وهم بالآخرة هم كافرون } فترك ملتهم وأعرض عنهم ولم يوافقهم على ما كانوا عليه وتكرير لفظة هم في قوله وهم بالآخرة هم كافرون للتوكيد لشدة إنكارهم للمعاد .