ثم أشار ، عليه السلام ، لهما بأن ما رأياه سهل التأويل ، لوجود مثاله في المنام ، وبأن له علما فوقه ، وهو أنه يبين لهما كل جليل ودقيق من الأمور المستقبلة ، وإن لم يكن هناك قدمة المنام ، حتى إن الطعام الموظف الذي يأتيهما كل يوم ، يبينه لهما قبل إتيانه ، وإن ذلك ليس من باب الكهانة ، بل من الفضل الرباني لمن يصطفيه . بالنبوة وهذا معنى قوله تعالى : { قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } .
{ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما } أي قبل أن يصلكما . والمراد بالطعام ما يبعث إلى أهل السجن . وتأويله ذكر ما هو ، بأن يقول : يأتيكما طعام كيت وكيت ، فيجدانه كذلك . وحقيقة ( التأويل ) تفسير الألفاظ المراد منها خلاف ظاهرها ببيان المراد .
قال أبو السعود : فإطلاقه على تعيين ما سيأتي من الطعام ، إما بطريق الاستعارة ، فإن ذلك بالنسبة إلى مطلق الطعام المبهم بمنزلة التأويل ، بالنظر إلى ما رئي في المنام ، وشبيه له ، وإما بطريق المشاكلة ، حسبما وقع في عبارتهما من قولهما : { نبئنا بتأويله } . ومراده عليه السلام بذلك : بيان كل ما يهمهما من الأمور المترقبة قبل وقوعها . وإنما تخصيص الطعام بالذكر لكونه عريقا في ذلك ، بحسب الحال ، مع ما فيه من مراعاة حسن التخلص إليه مما استعبراه من الرؤييين المتعلقتين بالشراب والطعام .
{ ذلكما } أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات { مما علمني ربي } أي بالوحي والإلهام ، لا من التكهن والتنجيم . وفيه إشعار بأن له علوما جمة ، ما سمعاه شذرة من جواهرها . وقوله تعالى : { إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون } .
لا يخفى أن قوله تعالى : { قال لا يأتيكما طعام } إلى هنا ، مقدمة لجواب سؤالهما عن تعبير رؤياهما ، مهد ، عليه السلام ، بها له ليدعوهما إلى التوحيد ، ليزداد علما بعظم شأنه ، وثقة بأمره ، توسلا بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه من هدايتهما ، لاسيما وأن أحدهما ستعاجله منيته بالصلب ، فرجا أن يختم له بخير .
قال الزمخشري : لما استعبراه ووصفاه بالإحسان ، افترض ذلك ، فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء ، وهو الإخبار بالغيب ، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام ، وجعل ذلك تخلصا إلى أن يذكر لهما التوحيد ، ويعرض عليهما الإيمان ، ويزينه لهما ، ويقبح إليهما الشرك بالله . وهذه طريقة ، على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة / إذا استفتاه واحد منهم ، أن يقدم الهداية والإرشاد والموعظة الحسنة والنصيحة أولا ، ويدعوه إلى ما هو أولى به ، وأوجب عليه مما استفتى فيه ، ثم يفتيه بعد ذلك . وفيه ، أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم ، فوصف نفسه بما هو بصدده وغرضه أن يقتبس منه ، وينتفع به في الدين لم يكن من باب التزكية . انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.