غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

36

{ قال لا يأتيكما طعام } إلى آخره هذا ليس بجواب لهما ظاهراً وإنما قدم هذا الكلام لوجوه منها : أن أحد التعبيرين لما كان هو الصلب وكان في إسماعه كراهة ونفرة أراد أن يقدم قبل ذلك ما يوثق بقوله ويخرجه عن معرض التهمة والعداوة . أو أراد أن يبين علوّ مرتبته في العلم وأنه ليس من المعبرين الذين يعبرون عن ظن وتخمين ، ولهذا قال السدي : أراد لا يأتيكما طعام ترزقانه في النوم . بين بذلك أن علمه بتأويل الرؤيا ليس مقصوراً على شيء دون غيره وقيل : إنه محمول على اليقظة وإنه ادعى معرفة الغيب كقول عيسى عليه السلام { وأنبئكم بما تأكلون } [ آل عمران : 49 ] أي أخبركما { قبل أن يأتيكما } أنه أي طعام هو وأيّ لون هو وكيف تكون عاقبته أهو ضار أم نافع وأن فيه سماً أم لا . فقد روي أن الملك كان إذا أراد قتل إنسان صنع له طعاماً مسموماً فأرسله إليه . ثم قال : { ذلكما } أي هذا التأويل والإخبار بالمغيبات من قبيل الوحي والإلهام لا من التكهن والتنجيم الذي يكثر فيهما وقوع الخطأ . ثم بيّن سيرته وملته مشيراً فيه إلى أنه رسول من عند الله ومنبهاً على أن الاشتغال بمصالح الدين أهم من الاشتغال بمصالح الدنيا حتى إن الرجل الذي سيصلب لعله يسلم فلا يموت على الكفر فقال : { إني تركت } أي رفضت بل ما كنت قط ، ويجوز أن يكون قبل ذلك غير مظهر للتوحيد خوفاً منهم لأنه كان تحت أيديهم . وإنما كررت لفظة " هم " تنبيهاً على أنهم مختصون في ذلك الزمان بإنكار المعاد وتعريضاً بأن إيداعه السجن بعد معاينة الآيات الشاهدة على براءته لا يصدر إلا عمن ينكر الجزاء أشد الإنكار .

/خ53