الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

وقوله عزَّ وجلَّ : { قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } [ يوسف : 37 ] .

رُويَ عن السُّدِّيِّ وابن إِسحاق : أن يوسُفَ عليه السلام لما عَلِمَ شدَّة تعبيرِ مَنَامَةِ الرائي الخُبْزَ ، وأنها تُؤْذِنَ بقتله ، ذهب إِلى غير ذلك من الحديثِ عَسَى أَلاَّ يطالباه بالتعْبير ، فقال لهما ؛ مُعْلِماً بعظيمِ عِلْمِهِ للتعبيرِ : إِنه لا يجيئُكما طعَامٌ في نومكما تَرَيَانِ أَنكما رُزِقْتُمَاهُ إِلاَّ أعلمتكما بتأويلِ ذلك الطَّعَامِ ، أي : بما يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمره في اليقظة قَبْلَ أن يظهر ذلك التأويلُ الذي أُعْلِمُكُما به ، فرُوِيَ أنهما قالا : ومِنْ أينَ لَكَ ما تَدَّعيه مِنَ العِلْمِ ، وأنْتَ لَسْتَ بِكَاهِنٍ ولا منجِّم ؟ ! فقالَ لهما : { ذَلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي } ، ثم نهض يُنْحِي لهما على الكُفْر ويقبِّحه ، ويحسِّن الإِيمان باللَّه ، فرُوِيَ أنه قصد بذلك وجْهَيْنِ ؛ أَحدهما : تنسيَتُهما أمْرَ تعبيرِ ما سألا عنْه ؛ إِذ في ذلك النِّذَارةُ بقَتْل أحدهما ، والآخر : الطماعيَةُ في إِيمانهما ؛ ليأخذ المَقْتُولُ بحظِّه من الإِيمان ، وتسلم له آخرته ، وقال ابنُ جُرَيْج : أراد يوسُفُ عليه السلام لا يأتيكما طعامٌ في اليقظة .

قال ( ع ) : فعلى هذا إِنما أعلمهم بأنه يعلم مغيَّباتٍ لا تعلُّق لها برؤْيَا ، وقصد بذلك أحَدَ الوجهَيْنِ المتقدِّمين ، وهذا على ما روي أنه نبىء في السجن فإِخباره كإِخبار عيسَى عليه السلام .

وقوله : { تَرَكْتُ } ، مع أنه لم يتشبَّثْ بها جائزٌ صحيحٌ ؛ وذلك أنه أخبر عن تجنّبه من أول بالترك ، وساق لفظ التَّرْك استجلابا لهما عسَى أن يتركا الترْكَ الحقيقيَّ الذي هو بَعْد الأخْذ في الشيء ، والقَوْمُ المتروكُ ملتهم : المَلِكَ وأتباعه .