اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

فقال : " لا يأتيكما طعام ترزقانه " قيلك أراد به في النوم ، أي لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما ، إلاَّ نبأتكما بتأويله في اليقظةِ ، وقيل : أراد به في اليقظةِ ؛ فقوله { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ } في منازلكما تطعمانه ، وتأكلانه " إلاَّ نَبَّأتُكمَا " أخبرتكما " بتأويلهِ " بقدره ، ولو ، والوقت الذي يصلُ إليكما ، قبل أن يصل ، وأيَّ طعام أكلتم ، وكم أكلتم ومتى أكلتم .

وهذا مثلُ معجزةِ عيسى عليه الصلاة والسلام حيثُ قال : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } [ آل عمران : 49 ] .

فقال : هذا فعلُ القوَّافين والكهنةِ ، فمن أين لك هذا العلم ؟ .

فقال : ما أنا بكاهنٍ ، وإنما ذلك العلمُ مما علَّمني ربِّي .

ثم قال : { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } ، وفي سؤالٌ :

وهو قوله : { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله } يوهمُ أنه صلوت الله وسلامه عليه كان في هذه الملَّة ؟ .

والجوابُ من وجوه :

الأول : أنَّ التَّرك عبارةٌ عن عدمِ التعرُّضِ للشيء ، وليس من شرطه أن يكون قد

كان خائضاً فيه .

والثاني : أن يقال : إنه عليه الصلاة والسلام كان عبداً لهم بحسب زعمهم ولعلَّه قبل ذلك كان لا يظهرُ التوحيد ، والإيمان ؛ خوفاً منهم ، ثم إنَّه أظهره في هذا الوقت ؛ فكان هذا جارياً مجرى تركِ ملَّة أولئك الكفرة بحسب الظاهر .

قوله : ( إني تركت ) يجُوز أن تكون هذه مستأنفة ، أخبر بذلك عن نفسه ، ويجوز أن تكون تعليلاً لقوله : { ذلك مما علمني ربي } ، أي : تركي عبادة غير الله ، سببٌ لتعليمه إيَّاي ذلك ، وعلى الوجهين لا محلَّ لها من الإعراب ، و " لا يُؤمِنُونَ " : صفةٌ ل " قومٍ " .

وكرَّر " هُمْ " في قوله : { وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ } ؛ قال الزخشريُّ : " للدَّلالة على أنهم خُصُوصاً كافرون بالآخرة ، وأنَّ غيرهم مؤمنون بها " .

قال أبُوا حيَّان : " وليستْ " هُمْ " عندنا تدلُّ على الخُصوصِ " .

قال شهابٌ الدِّينك " لم يَقل الزمخشريُّ إنها تدلُّ على الخُصُوصِ ، وإنَّما قال : " وتكرير " هُمْ " للدلالةِ على الخصوصِ " فالتكريرُ هو الذي أفاد الخصوص وهو معنٌى حسنٌ " .

وقيل : " كرَّر " هُمْ " ؛ للتوكيد .

وسكَّن الكوفيُّون الياء مِنْ : " آبَائِي " ، ورويت عن أبي عمرٍو ، وإبراهيم ، وما بعده : بدلٌ ، أو عطفٌ بيانِ ، أو منصوبٌ على المدح .