مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{قَالَ لَا يَأۡتِيكُمَا طَعَامٞ تُرۡزَقَانِهِۦٓ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِيلِهِۦ قَبۡلَ أَن يَأۡتِيَكُمَاۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّيٓۚ إِنِّي تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمٖ لَّا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (37)

{ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } أي لبيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل { قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا } ولما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الإخبار بالغيب ، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول : يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك . وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده ، وغرضه أن يقتبس منه ، لم يكن من باب التزكية { ذلكما } إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات { مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى } وأوحى به إلي ولم أقله عن تكهن وتنجم { إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بالله وَهُمْ بالأخرة هُمْ كافرون } يجوز أن يكون كلاماً مبتدأ وأن يكون تعليلاً لما قبله أي علمني ذلك وأوحى به إلي لأني رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم