ثُمَّ قَالَ { وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } يعني : أن الكفر بعيد منكم وحاشاكم منه ؛ فإن آيات الله تنزل على رسوله ليلا ونهارًا ، وهو يتلوها عليكم ويبلغها إليكم ، وهذا كقوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ الحديد : 8 ] والآية بعدها . وكما جاء في الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : " أيُّ الْمُؤمِنِينَ أعْجَبُ إلَيْكُمْ إيمَانًا ؟ " قالوا : الملائكة . قال : " وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؟ ! " وذكروا الأنبياء{[5417]} قال : " وَكَيْفَ لا يُؤْمِنُونَ وَالْوَحْيُ يَنزلُ عَلَيْهِمْ ؟ " قالوا : فنحن . قال : " وَكَيْفَ لا تُؤْمِنُونَ وأنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ ؟ ! " . قالوا : فأيّ الناس أعجب إيمانًا ؟ قال : " قَوْمٌ يَجِيؤُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَجِدونَ صُحُفًا يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا " {[5418]} . وقد ذكرت سَنَد هذا الحديث والكلام عليه في أول شرح البخاري ، ولله الحمد .
ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } أيّ : ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العُمْدة في الهداية ، والعُدَّة في مباعدة الغَواية ، والوسيلة إلى الرشاد ، وطريق السداد ، وحصول المراد .
قوله : { وكيف تكفرون } استفهام مستعمل في الاستبْعَاد استبعاداً لكفرهم ونفياً له ، كقول جرير :
كَيْفَ الهِجَاءُ وَمَا تَنْفَكّ صَالِحَةٌ *** من آل لأمٍ بِظهْرِ الغَيْبِ تَأتينِي
وجملة { وأنتم تتلى عليكم آيات الله } حالية ، وهي محطّ الاستبعاد والنَّفي لأنّ كلاّ من تلاوة آيات الله وإقامة الرّسول عليه الصّلاة والسَّلام فيهم وازع لهم عن الكفر ، وأيّ وازع ، فالآيات هنا هي القرآن ومواعظه .
والظرفية في قوله : { وفيكم رسوله } حقيقيّة ومؤذنة بمنقبة عظيمة ، ومنّة جليلة ، وهي وجود هذا الرسول العظيم بينهم ، تلك المزيّة الَّتي فاز بها أصحابه المخاطبون .
وبها يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدْري : « لاَ تسبُّوا أصحابي فوالّذي نفسي بيده لَوْ أنّ أحدكم أنفق مثلَ أُحُد ذَهَباً مَا بَلَغ مُدّ أحدِهم ولا نصِيفه » النصيف نِصْف مدّ .
وفي الآية دلالة على عِظْم قدْر الصّحابة وأنّ لهم وازعين عن مواقعة الضّلال : سماعُ القرآن ، ومشاهدَة أنوار الرّسول عليه السَّلام فإنّ وجوده عصمة من ضلالهم . قال قتادة : أمّا الرسول فقد مضى إلى رحمة الله ، وأمَّا الكتاب فباقٍ على وجه الدّهر .
وقوله : { ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم } أي من يتمسّك بالدّين فلا يخش عليه الضّلال . فالاعتصام هنا استعارة للتَّمسّك .
وفي هذا إشارة إلى التمسّك بكتاب الله ودينه لسائر المسلمين الَّذين لم يشهدوا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.