تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

{ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ } أي : عشيرة أو ولد ، كما افتخر بهم واستعز { يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } اختلف القراء هاهنا ، فمنهم من يقف على قوله : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ } أي : في ذلك الموطن الذي حل به عذاب الله ، فلا منقذ منه . ويبتدئ [ بقوله ]{[18193]} { الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } ومنهم من يقف على : { وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا } ويبتدئ بقوله : { هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ } .

ثم اختلفوا في قراءة { الْوَلايَةُ } فمنهم من فتح الواو ، فيكون المعنى : هنالك الموالاة{[18194]} لله ، أي : هنالك{[18195]} كل أحد{[18196]} من مؤمن أو كافر{[18197]} يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب ، كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] وكقوله إخبارًا عن فرعون : { حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 91 ، 90 ]

ومنهم من كسر الواو من { الْوَلايَةُ } أي : هنالك الحكم لله الحق .

ثم منهم من رفع { الْحَقِّ } على أنه نعت للولاية ، كقوله تعالى : { الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا } [ الفرقان : 26 ]

ومنهم من خفض القاف ، على أنه نعت لله عز وجل ، كقوله : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [ الأنعام : 62 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا } أي : جزاء { وَخَيْرٌ عُقْبًا } أي : الأعمال التي تكون لله ، عز وجل ، ثوابها خير ، وعاقبتها حميدة رشيدة ، كلها خير .


[18193]:زيادة من أ.
[18194]:في ت: "الولاية".
[18195]:في ت: "هناك".
[18196]:في ف: "واحد".
[18197]:في ف: "وكافر".

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

{ هُنالك } في ذلك المقام وتلك الحال . { الوَلاية لله الحق } النصرة له وحده لا يقدر عليها غير تقديرا لقوله { ولم تكن له فئة ينصرونه } أو نصر فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة كما نصر فيما فعل بالكافر أخاه المؤمن ويعضده قوله : { هو خير ثوابا وخير عُقباً } أي لأوليائه . وقرأ حمزة والكسائي بالكسر ومعناه السلطان والملك أي هناك السلطان له لا يغلب ولا يمنع منه ، أو لا يعبد غيره كقوله تعالى { فإذا ركبوا الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } فيكون تنبيها على أن قوله { يا ليتني لم أشرك } كان عن اضطرار وجزع مما دهاه وقيل { هنالك } إشارة إلى الآخرة وقرأ أبو عمرو والكسائي { الحق } بالرفع صفة للولاية ، وقرئ بالنصب على المصر المؤكد ، وقرأ عاصم وحمزة " عُقباً " بالسكون ، وقرئ " عَقْبَى " وكلها بمعنى العاقبة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

وقوله { هنالك } يحتمل أن يكون ظرفاً لقوله { منتصراً } ويحتمل أن تكون { الولاية } مبتدأ ، و { هنالك } خبره ، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب «الوِلاية » بكسر الواو ، وهي بمعنى الرياسة والزعامة ونحوه ، وقرأ الباقون «الوَلاية » بفتح الواو وهي بمعنى الموالاة والصلة ونحوه ، ويحكى عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحن ، لأن فعالة ، إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلداً ، وليس هنا تولي أمر الموالاة ، وقرأ أبو عمرو والكسائي «الحق » بالرفع على جهة النعت ل { الولاية } ، وقرأ الباقون «الحقِّ » بالخفض على النعت { لله } عز وجل ، وقرأ أبو حيوة «لله الحقَّ » بالنصب وقرأ الجمهور «عُقُباً » بضم العين والقاف وقرأ عاصم وحمزة والحسن «عُقْباً » بضم العين وسكون القاف وتنوين الباء ، وقرأ عاصم أيضاً «عقبى » بياء التأنيث{[7812]} ، والعُقُب والعُقْب بمعنى العاقبة .


[7812]:هذه من رواية أبي بكر عن عاصم، أما القراءة السابقة عن عاصم بضم العين وسكون القاف فهي من رواية حفص عنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

تذييل للجمل قبلها لما في هذه الجملة من العموم الحاصل من قصر الولاية على الله تعالى المقتضي تحقيق جملة { ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } [ الكهف : 42 ] ، وجملة { ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله } [ الكهف : 43 ] ، وجملة { وما كان منتصراً } [ الكهف : 43 ] ، لأن الولاية من شأنها أن تبعث على نصر المولى وأن تطمِع المولى في أن وليه ينصره . ولذلك لما رأى الكافر ما دهاه من جراء كفره التجأ إلى أن يقول : { يا ليتني لم أشرك بربي أحداً } [ الكهف : 42 ] ، إذ علم أن الآلهة الأخرى لم تغن وَلايتُهم عنه شيئاً ، كما قال أبو سفيان يوم أسلم لقد علمت أن لو كان معه إله آخر لقد أغنَى عني شيئاً . فاسم الإشارة مبتدأ والولاية لله } جملة خبر عن اسم الإشارة .

واسم إشارة المكان البعيد مستعار للإشارة إلى الحال العجيبة بتشبيه الحالة بالمكان لإحاطتها بصاحبها ، وتشبيه غرابتها بالبعد لندرة حصولها . والمعنى : أن في مثل تلك الحالة تقصر الولاية على الله . فالولاية : جنس معرف بلام الجنس يفيد أن هذا الجنس مختص باللام على نحو ما قرر في قوله تعالى : { الحمد لله } [ الفاتحة : 2 ] .

والوَلاية بفتح الواو مصدر وَلِي ، إذا ثبت له الوَلاء . وتقدمت عند قوله تعالى : { ما لكم من ولايتهم من شيء { حتى يهاجروا } في سورة الأنفال ( 72 ) . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { الوِلاية } بكسر الواو وهي اسم للمصدر أو اسم بمعنى السلطان والمُلك .

و { الحق } قرأه الجمهور بالجر ، على أنه وصف لله تعالى ، كما وصف بذلك في قوله تعالى : { وردوا إلى الله مولاهم الحق } في سورة يونس ( 30 ) . وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف { الحقُّ } بالرفع صفة للولاية ، ف { الحق } بمعنى الصِدق لأن ولاية غيره كذب وباطل .

قال حجة الإسلام : « والواجب بذاته هو الحق مطلقاً ، إذ هو الذي يستبين بالعقل أنه موجود حقاً ، فهو من حيث ذاته يسمى موجوداً ومن حيث إضافته إلى العقل الذي أدركه على ما هو عليه يسمى حقاً » ا هـ .

وبهذا يظهر وجه وصفه هنا بالحق دون وصف آخر ، لأنه قد ظهر في مثل تلك الحال أن غير الله لا حقيقة له أو لا دوام له .

{ وخَير } يجوز أن يكون بمعنى أخْيَر ، فيكون التفضيل في الخيرية على ثواب غيره وعُقُب غيره ، فإن ما يأتي من ثواب من غيره ومن عقبى إما زائف مفضضٍ إلى ضر وإما زائل ، وثواب الله خالصٌ دائم وكذلك عقباه .

ويجوز أن يكون { خير } اسماً ضَد الشر ، أي هو الذي ثوابه وعُقُبه خير وما سواه فهو شر .

والتمييز تمييز نسبة الخير إلى الله . و « العقب » بضمتين وبسكون القاف بمعنى العاقبة ، أي آخرة الأمر . وهي ما يرجوه المرء من سعيه وعمله .

وقرأ الجمهور { عُقُباً } بضمتين وبالتنوين . وقرأه عاصم وحمزة وخلف بإسكان القاف وبالتنوين .

فكان ما ناله ذلك المشرك الجبار من عطاء إنما ناله بمساع وأسباب ظاهرية ولم ينله بعناية من الله تعالى وكرامة فلم يكن خيراً وكانت عاقبته شراً عليه .