قوله : { هُنَالِكَ الولاية لِلَّهِ } : يجوز أن يكون الكلام تمَّ على قوله " مُنْتَصِراً " وهذه جملة منقطعة عمَّا قبلها ، وعلى هذا : فيجوز في الكلام أوجه :
الأول : أن يكون " هنالك الولايةُ " مقدَّراً بجملة فعلية ، فالولاية فاعل بالظرف قبلها ، أي : استقرَّت الولاية الله ، و " لله " متعلق بالاستقرار ، أو بنفس الظرف ؛ لقيامه مقام العامل ، أو بنفسِ الولاية ، أو بمحذوفٍ على أنه حال من " الوَلاية " وهذا إنما يتأتَّى على رأي الأخفش من حيث إنَّ الظرف يرفع الفاعل من غير اعتمادٍ .
والثاني : أن يكون " هُنالِكَ " منصوباً على الظرف متعلقاً بخبر " الولاية " وهو " لله " أو بما تعلق به " لله " أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ منها ، والعامل الاستقرارُ في " لله " عند من يجيز تقدم الحال على عاملها المعنوي ، أو يتعلق بنفس " الوَلايةِ " .
والثالث : أن يجعل " هُنالِكَ " هو الخبر ، و " لله " فضلةٌ ، والعامل فيه ما تقدَّم في الوجه الأول .
ويجوز أن يكون " هُنالِكَ " من تتمَّة ما قبلها ، فلم يتمَّ الكلام دونه ، وهو معمولٌ ل " مُنْتَصِراً " ، أي : وما كان منتصراً في الدار الآخرة ، و " هُنالِكَ " إشارة إليها ، وإليه نحا أبو إسحاق{[21100]} . وعلى هذا فيكون الوقف على " هُنالِكَ " تامًّا ، والابتداء بقوله " الوَلايَةُ لله " فتكون جملة من مبتدأ وخبر .
والظاهر في " هُنالِكَ " : أنه على موضوعه من ظرفية المكان ، كما تقدَّم ، وتقدَّم أنَّ الأخوين يقرآن بالكسر{[21101]} ، والفرق بينها وبين قراءة الباقين بالفتح في سورة الأنفال ، فلا معنى لإعادته .
وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحنٌ ، قالا : لأنَّ " فعالة " إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلَّداً ، وليس هنالك تولِّي أمورٍ .
قال الزمخشري : الولاية بالفتح : النصر ، والتولِّي ، وبالكسر : السلطان والملك .
وقيل : بالفتح : الربوبيَّة ، وبالكسر : الإمارة .
قوله : " الحَقِّ " {[21102]} قرأ أبو عمرو ، والكسائي برفع " الحقُّ " والباقون بجرِّه ، فالرفع من ثلاثة أوجه :
الأول : أنه صفة للولاية وتصديقه قراءة أبيٍّ " هُنالك الوَلايةُ الحق للهِ " .
والثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هو ما أوحيناه إليك .
الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره مضمر ، أي : الحق ذلك ، وهو ما قلناه .
والجر على أنه صفة للجلالة الكريمة ؛ كقوله " ثُمَّ ردُّوا إلى الله مَولاهُم الحقِّ " .
وقرأ{[21103]} زيد بن عليٍّ ، وأبو حيوة ، وعمرو بن عبيد ، ويعقوب " الحقَّ " نصباً على المصدر المؤكِّد لمضمون الجملة ؛ كقولك " هذَا قَوْلُ الله الحق " وهذا عبد الله الحقَّ ، لا الباطل .
قوله : " عُقباً " {[21104]} قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف ، والباقون بضمِّها ، فقيل : لغتان ؛ كالقُدُسِ والقُدْس ، وقيل : الأصل الضمَّ ، والسكون تخفيف ، وقيل بالعكس ؛ كالعُسْر واليُسْر ، وهو عكس معهود اللغة ، ونصبها ونصب " ثَواباً " و { أَمَلاً } [ الكهف : 46 ] على التمييز لأفعل التفضيل قبلها ، ونقل الزمخشريُّ أنه قرئ " عُقْبَى " بالألف ، وهي مصدر أيضاً ؛ كبُشْرَى ، وتروى عن عاصم .
اعلم أنَّه تعالى لمَّا ذكر من قصّة الرجلين ما ذكر علمنا أن النُّصرة والعاقبة المحمودة كانت للمؤمن على الكافر ، وعرفنا أن الأمر هكذا يكون في حقِّ كل مؤمنٍ وكافرٍ ، فقال : { هُنالِكَ الوَلايةُ للهِ الحَقِّ } أي : في مثل ذلك الوقت وفي مثل ذلك المقام ، تكون الولاية لله يوالي أولياءه ؛ فيعليهم على أعدائه ، ويفوِّض أمر الكفار إليهم .
فقوله : " هُنالِكَ " إشارةٌ إلى الموضع ، والوقت الذي يريد إظهار كرامة أوليائه ، وإذلال أعدائه .
وقيل : المعنى في مثل تلك الحالة الشديدة يتولَّى الله ، ويلتجئ إليه كلُّ محتاجٍ مضطرٍّ ، يعني أن قوله : { ياليتني لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } فكأنه ألجَأ إليها ذلك الكافر ، فقالها جزعاً ممَّا ساقهُ إليه شؤمُ كفره ، ولولا ذلك ، لم يقلها .
وقيل : المعنى : هنالك الولاية لله ينصرُ فيها أولياءه المؤمنين على الكفرة ، وينتقم لهم ويشفي صدورهم من [ أعدائهم ]{[21105]} ، يعني أنَّه تعالى نصر المؤمن بما فعل [ بأخيه الكافر و ]{[21106]} بصدق قوله : { فعسى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السمآء } .
ويعضده قوله : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } أي : لأوليائه ، وقيل : " هُنالِكَ " إشارةٌ إلى الدَّار الآخرةِ ، أي : في تلك الدَّار الآخرة الولاية لله كقوله : { لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } [ غافر : 16 ] .
وقوله : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً } أي : خيرٌ في الآخرة لمن آمن به ، و التجأ إليه ، { وَخَيْرٌ عُقْباً } أي : هو خيرٌ عاقبة لمن رجاهُ ، وعمل لوجهه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.