الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{هُنَالِكَ ٱلۡوَلَٰيَةُ لِلَّهِ ٱلۡحَقِّۚ هُوَ خَيۡرٞ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ عُقۡبٗا} (44)

قوله : { هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ } : يجوز أَنْ يكونَ الكلامُ تَمَّ على قوله " منتصراً " وهذه جملةٌ منقطعةٌ عمَّا قبلَها ، وعلى هذا فيجوز في الكلامِ أوجهٌ ، أحدُها : أَنْ يكونَ " هنالك الوَلايةُ " مقدَّراً بجملةٍ فعليةٍ ، فالولايةُ فاعلٌ بالظرف قبلها ، أي : استقرَّتِ الولايةُ لله ، و " لله " متعلقٌ بالاستقرار ، أو بنفسِ الظرفِ لقيامِه مَقامَ العاملِ أو بنفسِ الوَلاية ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ من " الولاية " ، وهذا إنما يتأتَّى على رَأْيِ الأخفش من حيث إنَّ الظرفَ يرفعُ الفاعلَ مِنْ غيرِ اعتماد .

والثاني : أَنْ يكونَ " هنالك " منصوباً على الظرف متعلقاً بخبر " الولاية " وهو " لله " أو بما تعلَّق به " لله " أو بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ منها ، والعاملُ الاستقرار في " لله " عند مَنْ يُجيز تقدُّمَ الحالِ على عاملِها المعنويِّ ، أو يتعلَّق بنفس " الولاية " .

والثالث : أَنْ يُجْعَلَ " هنالك " هو الخبر ، و " لله " فَضْلةٌ ، والعاملُ فيه ما تقدَّم في الوجه الأول .

ويجوز أن يكونَ " هنالك " مِنْ تتمة ما قبلها فلم يَتِمَّ الكلامُ دونَه ، وهو معمولٌ ل " منتصِراً " ، أي : وما كان منتصراً في الدار الآخرة ، و " هنالك " إشارةٌ إليها . وإليه نحا أبو إسحاق . وعلى هذا فيكون الوقفُ على " هنالِك " تامَّاً ، والابتداءُ بقولِه " الوَلايةُ لله " فتكونُ جملةً مِنْ مبتدأ وخبر .

والظاهرُ في " هنالك " : أنَّه على موضوعِه مِنْ ظرفيةِ المكان كما تقدَّم معناه . وتقدَّم أنَّ الأَخَوين يَقْرآن " الوِلاية " بالكسرِ ، والفرقُ بينها وبين قراءةِ الباقين بالفتح في سورة الأنفال فلا معنى لإِعادتِه .

وحُكي عن أبي عمروٍ والأصمعيِّ أنَّ كسرَ الواوِ هنا لحنٌ . قالا : لأنَّ فِعالة إنما تجيءُ فيما كان صنعةً أو معنى متقلداً ، وليس هناك تَوَلِّي أمورٍ .

قوله : " الحق " قرأ أبو عمروٍ والكسائيُّ برفع " الحقُّ " والباقون بجرِّه ، والرفعُ ، من ثلاثةِ أوجهٍ ، أحدُها : أنه صفةٌ للوَلاية . الثاني : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ ، أي : هو ، أي : ما أَوْحيناه إليك . الثالث : أنه مبتدأٌ ، وخبرُه مضمرٌ ، أي : الحقُّ ذلك . وهو ما قُلْناه .

والجرُّ على أنه صفةٌ للجلالةِ الكريمة .

وقرأ زيدُ بن علي وأبو حيوة وعمرو بن عبيد ويعقوب " الحقَّ " نصباً على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة كقولك : هذا عبدُ اللهِ الحقَّ لا الباطلَ " .

قوله : " عُقباً " عاصمٌ وحمزةُ بسكونِ القافِ ، والباقون بضمها . فقيل : لغتان كالقُدُس والقُدْس . وقيل : الأصل الضمُّ ، والسكونُ تخفيفٌ . وقيل : بالعكس كالعُسْر واليُسْر ، وهو عكسُ معهودِ اللغةِ . ونصبُها ونصبُ " ثواباً " و " أملاً " على التمييز لأفعل التفضيل قبلها . ونقل الزمخشري أنه قُرئ " عُقْبى " بالألف وهي مصدرٌ أيضاً كبُشْرى ، وتُروى عن عاصم .