تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

وقوله : { بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } يعني : تصبروا على مُصَابرة عَدُوّكم وتتقوني وتطيعوا أمري .

وقوله : { وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا } قال الحسن ، وقتادة ، والربيع ، والسُّدِّي : أي من وجههم هذا . وقال مجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح : أي من غضبهم هذا . وقال الضحاك : من غضبهم ووجههم . وقال العَوْفيّ عن ابن عباس : من سفرهم هذا . ويقال : من غضبهم هذا .

وقوله : { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } أي : معلمين بالسِّيما .

وقال أبو إسحاق السَّبِيعي ، عن حارثة بن مُضَرِّب ، عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : كان سِيَما الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض ، وكان سيماهم أيضا في نواصي خَيْلِهم{[5644]} .

رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : حدثنا أبو زُرْعة ، حدثنا هَدْبة بن خالد ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة في هذه الآية : { مُسَوِّمِينَ } قال : بِالْعِهْن الأحمر .

وقال مجاهد : { مُسَوِّمِينَ } أي : مُحَذَّقة أعرافها ، مُعَلَّمة نواصيها بالصوف الأبيض في أذناب الخيل .

وقال العَوْفِيّ ، عن ابن عباس ، قال : أتت الملائكة محمدا صلى الله عليه وسلم مُسَوِّمين بالصوف ، فسَوَم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف .

وقال عكرمة وقتادة { مُسَوِّمِينَ } أي : بسيما القتال ، وقال مكحول : { مُسَوِّمِينَ } بالعمائم .

وروى ابن مَرْدُويَه ، من حديث عبد القدوس بن حَبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : { مُسَوِّمِينَ } قال : " مُعَلَّمينَ . وكان{[5645]} سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود ، ويوم حنين عمائم حُمْر " .

ورَوَى من حديث حُصَين بن مُخارق ، عن سعيد ، عن الحكم ، عن مِقْسَم ، عن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر .

وقال ابن إسحاق : حَدّثني مَنْ لا أتهم ، عن مِقْسَم ، عن ابن عباس قال : كان{[5646]} سيما الملائكة يوم بدر عَمَائِمَ بيض قد أرْسَلُوها في ظهورهم ، ويوم حُنَيْنٍ عمائمَ حُمْرا . ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر ، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عَدَدًا ومَدَدًا لا يَضْربون .

ثم رواه عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن مقْسَم عن ابن عباس ، فذكر نحوه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الأحْمَسِي{[5647]} حدثنا وَكِيع ، حدثنا هشام بن عُرْوة ، عن يحيى بن عباد : أن الزبير [ بن العوام ]{[5648]} رضي الله عنه ، كان عليه يوم بدر عمامة صفراء مُعْتَجرًا بها ، فنزلت الملائكة عليهم عمائم صُفْر .

رواه ابن مَرْدُويَه من طريق هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، فذكره .


[5644]:في أ، و: "خيولهم".
[5645]:في أ، و: "وكانت".
[5646]:في أ، و: "كانت".
[5647]:في ر: "الأخمسي".
[5648]:زيادة من جـ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

{ بلى } إيجاب لما بعد لن ، أي بلى يكفيكم . ثم وعد لهم الزيادة على الصبر والتقوى حثا عليهما وتقوية لقلوبهم فقال : { إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم } أي المشركون . { من فورهم هذا } من ساعتهم هذه ، وهو في الأصل مصدر من فارت القدر إذ غلت ، فاستعير للسرعة ثم أطلق للحال التي لا ريث فيها ولا تراخي ، والمعنى إن يأتوكم في الحال . { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة } في حال إتيانهم بلا تراخ ولا تأخير . { مسومين } معلمين من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء لقوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه . " تسوموا فإن الملائكة قد تسومت " . أو مرسلين من التسويم بمعنى الأسامة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب بكسر الواو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

و { بلى } - جواب للنفي الذي في { ألن } وقد تقدم معناه ، ثم ذكر تعالى الشرط الذي معه يقع الإمداد وهو الصبر ، والتقى . و «الفور » : النهوض المسرع إلى الشيء مأخوذ من فور القدر والماء ونحوه ، ومنه قوله تعالى : { وفار التنور }{[3507]} فالمعنى ويأتوكم في نهضتكم هذه ، قال ابن عباس : { من فورهم هذا } : معناه من سفرهم هذا ، قال الحسن والسدي : معناه ، من وجههم هذا ، وقاله قتادة ، وقال مجاهد وعكرمة وأبو صالح مولى أم هاني{[3508]} : من غضبهم هذا .

قال القاضي : وهذا تفسير لا يخص اللفظة قد يكون «الفور » لغضب ولطمع ولرغبة في أجر ، ومنه الفور في الحج والوضوء ، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وعاصم : «مسوِّمين » ، بكسر الواو ، وقرأ الباقون : «مسوَّمين » بفتح الواو ، فأما من قرأ بفتح الواو فمعناه : معلمين بعلامات ، قال أبو زيد الأنصاري{[3509]} : «السومة » العلامة تكون على الشاة وغيرها يجعل عليها لون يخالف لونها لتعرف ، وروي أن الملائكة أعلمت يومئذ بعمائم بيض ، حكاه المهدوي عن الزجّاج ، إلا جبريل عليه السلام فإنه كان بعمامة صفراء على مثال عمامة الزبير بن العوام ، وقاله ابن إسحاق ، وقال مجاهد : كانت خيلهم مجزوزة الأذناب والأعراف معلمة النواصي والأذناب بالصوف والعهن ، وقال الربيع : كانت سيماهم أنهم كانوا على خيل بلق ، وقال عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير{[3510]} : نزلت الملائكة في سيما الزبير عليهم عمائم صفر ، وقال ذلك عروة وعبد الله ابنا الزبير : وقال عبد الله : كانت ملاءة صفر فاعتم الزبير بها ، ومن قرأ : «مسوِّمين » بكسر الواو ، فيحتمل من المعنى مثل ما تقدم ، أي هم قد أعلموا أنفسهم بعلامة وأعلموا خيلهم ، ورجح الطبري وغيره هذه القراءة ، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين يوم بدر : «سوِّموا فإن الملائكة قد سوَّمت{[3511]} ، فهم على هذا مسومون » ، وقال كثير من أهل التفسير : إن معنى «مسوِّمين » ، بكسر الواو أي هم قد سوموا خيلهم : أي أعطوها سومها من الجري والقتال والإحضار فهي سائمة ، ومنه سائمة الماشية ، لأنها تركت وسومها من الرعي ، وذكر المهدوي هذا المعنى في «مسوَّمين » بفتح الواو أي أرسلوا وسومهم .

قال القاضي : وهذا قلق : وقد قاله ابن فورك أيضاً .


[3507]:- من الآية 40 من سورة هود.
[3508]:- هو باذام، ويقال باذان أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب، تابعي مشهور روى عن علي، وابن عباس، وأبي هريرة، ومولاته أم هانئ، وعنه الأعمش، وإسماعيل السدي وسماك بن حرب، وأبو قلابة، وسفيان الثوري، وغيرهم، وثقه بعضهم، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه. "تهذيب التهذيب 1/416" و "الإصابة الجزء الأول، وكذا الرابع".
[3509]:- هو أبو زيد سعيد بن أوس بن ثابت صاحب النحو واللغة، روى عنه أبو عبيدة القاسم بن سلام وأبو حاتم السجستاني، وغيرهما، وكان الأصمعي يقول فيه: هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشر سنين، توفي في البصرة سنة 214 أو 215 هـ (انظر إنباه الرواة للقفطي2/30، وتاريخ بغداد 9/77، وتهذيب التهذيب 4/3، وابن خلكان 2/ 378).
[3510]:- هو عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير الأسدي أخو عبد الله بن حمزة، روى عن جدة أبيه أسماء بنت أبي بكر، وأختها عائشة أم المؤمنين، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعنه ابن عم أبيه هشام بن عروة. ثقة. وقال الزهري: كان سخيا سريا أحسن الناس وجها، أخرج له مسلم والنسائي حديث: (لا تحصي فيحصي الله عليك). "تهذيب التهذيب. 5/91". وحديث السيمة: أخرجه ابن هشام في السيرة.
[3511]:- أخرجه ابن أبي شيبة، وابن إسحاق، وهو مرسل، وابن جرير الطبري، وابن سعد من طرق. "تعليق ابن حجر على الكشاف 1/412".