الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

قوله : " بلى " حرفُ جواب وهو إيجاب للنفي في قوله تعالى : { أَلَنْ يَكْفِيكُمْ } وقد تقدم الكلام عليه مشبعاً . وجواب الشرط قوله : " يُمْدِدْكُم " .

والفَوْر : العجَلةُ والسرعة ومنه : " فارَت القِدْر " اشتدَّ غَلَيانها وسارع ما فيها إلى الخروج ، يقال : فارَ يفُور فَوْراً ، ويُعَبَّر به عن الغضب والحِدَّة ؛ لأنَّ الغَضْبانَ يسارع إلى البطش بمَنْ يغضب عليه ، فالفور في الأصل مصدرٌ ثم يُعَبَّر به عن الحالة التي لا رَيْثَ فيها ولا تعريج عن شيء سواها .

قوله تعالى : { مُسَوِّمِينَ } : كقوله : مُنْزَلين " . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو على اسم الفاعل ، والباقون بفتحها على اسم المفعول . فأما القراءة الأولى فتحتمل أن تكون من السَّوْم وهو تَرْكُ الماشية ترعى ، والمعنى أنهم سَوَّموا خيلَهم أي : أعطَوها سَوْمَها من الجري والجوَلان وتركوها كذلك كما يَفْعل مَنْ يَسِيمُ ماشِيتَه في المَرْعى ، ويحتمل أن يكون من السَّوْمَة وهي العلامة ، على معنى أنهم سَوَّموا أنفسهم أو خيلهم ، ففي التفسير أنهم كانوا بعمائَم بيضٍ إلا جبريلَ فبعمامةٍ صفراء ، وروُي أنه كانوا على خيل بُلْق . ورجَّح ابن جرير هذه القراءة بما وَرَد في الحديث عنه عليه السلام يوم بدر " تَسوَّموا فإنَّ الملائكة قد سَوَّمَتْ " .

وأما القراءة الثانية فواضحةٌ بالمعنيين المذكورين فمعنى السَّوْم فيها : أنَّ الله أرسلهم ، إذ الملائكة كانوا مُرْسَلين مِنْ عندِ الله لنصرةِ نبيِّه والمؤمنين . حكى أبو زيد : سَوَّم الرجل خيلَه : أي أرسلها ، وحكى بعضهم : " سَوَّمْتُ غُلامي " أي : أرسلْتُه ، ولهذا قال أبو الحسن الأخفش : " معنى مُسَوَّمين : مُرْسَلين " . ومعنى السَّومةِ فيها أنَّ الله تعالى سَوَّمَهم أي : جَعَل عليهم علامَةً وهي العمائم ، أو الملائكةُ جَعَلوا خيلَهم نوعاً خاصاً وهي البُلْق ، فقد سَوَّموا خيلَهم .