مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

قوله تعالى { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملآئكة مسومين } .

وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : بلى : إيجاب لما بعد ( لن ) يعني بل يكفيكم الإمداد فأوجب الكفاية ، ثم قال : { إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا } يعني والمشركون يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بأكثر من ذلك العدد وهو خمسة آلاف ، فجعل مجيء خمسة آلاف من الملائكة مشروطة بثلاثة أشياء ، الصبر والتقوى ومجيء الكفار على الفور ، فلما لم توجد هذه الشرائط لا جرم لم يوجد المشروط .

المسألة الثانية : الفور مصدر من : فارت القدر إذا غلت ، قال تعالى : { حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور } [ هود : 40 ] قيل إنه أول ارتفاع الماء منه ثم جعلوا هذه اللفظة استعارة في السرعة ، يقال جاء فلان ورجع من فوره ، ومنه قول الأصوليين الأمر للفور أو التراخي ، والمعنى حدة مجيء العدو وحرارته وسرعته .

المسألة الثالثة : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم { مسومين } بكسر الواو أي معلمين علموا أنفسهم بعلامات مخصوصة ، وأكثر الأخبار أنهم سوموا خيولهم بعلامات جعلوها عليها ، والباقون بفتح الواو ، أي سومهم الله أو بمعنى أنهم سوموا أنفسهم ، فكان في المراد من التسويم في قوله { مسومين } قولان الأول : السومة العلامة التي يعرف بها الشيء من غيره ، ومضى شرح ذلك في قوله { والخيل المسومة } [ آل عمران : 14 ] وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها ، وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : « سوموا فإن الملائكة قد سومت » قال ابن عباس : كانت الملائكة قد سوموا أنفسهم بالعمائم الصفر ، وخيولهم وكانوا على خيل بلق ، بأن علقوا الصوف الأبيض في نواصيها وأذنابها ، وروي أن حمزة بن عبد المطلب كان يعلم بريشة نعامة ، وأن عليا كان يعلم بصوفة بيضاء وأن الزبير كان يتعصب بعصابة صفراء وأن أبا دجانة كان يعلم بعصابة حمراء .

القول الثاني : في تفسير المسومين إنه بمعنى المرسلين مأخوذا من الإبل السائمة المرسلة في الرعي ، تقول أسمت الإبل إذا أرسلتها ، ويقال في التكثير سومت كما تقول أكرمت وكرمت ، فمن قرأ { مسومين } بكسر الواو فالمعنى أن الملائكة أرسلت خيلها على الكفار لقتلهم وأسرهم ، ومن قرأ بفتح الواو فالمعنى أن الله تعالى أرسلهم على المشركين ليهلكوهم كما تهلك الماشية النبات والحشيش .