( بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين125 ) .
( بلى ) إما من تتمة مقوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أو ابتداء خطاب من الله تعالى تأييدا لقول نبيه وزيادة على ما وعدهم تكرما وفضلا . أي : نعم يكفيكم الإمداد بثلاثة آلاف ولكنه يزيدكم ( ان تصبروا ) على قتالهم ( وتتقوا ) الفرار عنهم ( ويأتوكم من فورهم هذا ) أي ساعتهم هذه فلا تنزعجوا بمفاجأتهم ( يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة ) في حال اتيانهم لا يتأخر نزولهم عن اتيانهم ( مسومين ) بكسر الواو أي معلمين أنفسهم بأداة الحرب على عادة الفرسان يوم اللقاء ليعرفوا بها . وقرئ / بفتح الواو أي معلمين من قبله تعالى . روى البخاري عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : " هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب " .
في وعده صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالإمداد بقوله : ( إذ تقول ) وجهان :
الأول- أنه كان يوم بدر ، فان سياق ما قبله يدل عليه وهو قوله : ( ولقد نصركم الله ببدر ) ف ( إذ ) ظرف ل ( نصركم ) ، أي نصركم وقت قولك للمؤمنين وقد أظهروا العجز واستغاثوا ربهم . فان قيل : فما الجمع بين هذه الآية ، على هذا الوجه ، وبين قوله في سورة الأنفال في قصة بدر : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) ؟
فالجواب : أن التنصيص على الألف هاهنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها ، لقوله ( مردفين ) بمعنى يردفهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم ، وذلك أنهم لما استغاثوا أمدهم بألف ثم أمدهم بتمام ثلاثة آلاف ، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا واتقوا ، وكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعا وأقوى لتقويتهم ، وأسرها من أن يأتي مرة واحدة ، وهو بمنزلة متابعة الوحي ، ونزوله مرة بعد مرة . قال الربيع بن أنس : أمد الله المسلمين بألف ، ثم صاروا ثلاثة آلاف ، ثم صاروا خمسة آلاف ، ومما يؤيد هذا الوجه أن سياق بدر في الأنفال من قوله تعالى : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين . . . ) الآيات شبيه بهذا السياق هنا . كما يذوقه من تدبره .
أن هذا الوعد كان يوم أحد ، فان القصة في سياق أحد ، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضا في أثنائها ، ليذكرهم بنعمته عليهم ، لما نصرهم ببدر وهم أذلة ، وانه كذلك هو قادر على نصرهم في سائر المواطن . ثم عاد الى قصة أحد ، وأخبر عن قول رسوله لهم : ( ألن يكفيكم أن يمدكم . . . ) الآية . ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف . فهذا من قول رسوله ، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى ، وهذا بخمسة آلاف . وإمداد بدر بألف ، وهذا معلق على شرط ، وذاك مطلق ، والقصة في هذه السورة هي قصة أحد مستوفاة مطولة ، فالسياق هنا غير السياق في الأنفال- أشار لذلك ابن القيم في ( زاد المعاد ) .
وقد انتصر للوجه الأول العلامة أبو السعود ، وبين ضعف الثاني بأوجه وجيهة . فليرجع اليه .
ونقل الخازن عن ابن جرير أنه قال : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : ان الله أخبر عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤمنين : ( ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة ؟ ) فوعدهم الله بثلاثة آلاف من الملائكة مددا لهم ، ثم وعدهم بعد الثلاثة الآلاف ، خمسة آلاف ان صبروا لأعدائهم واتقوا الله .
ولا دلالة في الآية على أنهم أمدوا بالثلاثة آلاف ولا بالخمسة آلاف ، ولا على أنهم لم يمدوا بهم . وقد يجوز أن يكون الله عز وجل أمدهم على نحو ما رواه الذين أثبتوا أنه أمدهم . وقد يجوز أن يكون لم يمدهم على نحو الذي ذكره من أنكر ذلك . ولا خبر عندنا صح من الوجه الذي يثبت أنهم أمدوا بالثلاثة الآلاف . ولا بالخمسة الآلاف .
/ وغير جائز ، أن يقال في ذلك قول إلا بخبر تقوم به الحجة . ولا خبر به كذلك ، فنسلم لأحد الفريقين قوله .
غير أن في القرآن دلالة على أنهم قد أمدوا يوم بدر بألف من الملائكة وذلك قوله : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) .
فأما في يوم أحد فالدلالة على أنهم لم يمدوا أبين منها في أنهم أمدوا . وذلك أنهم لو أمدوا ، لم يهزموا ، وينال منهم ما نيل منهم .
فالصواب فيه من القول أن يقال كما قال تعالى ذكره .
( هذا هو نص ابن جرير . صفحة 180 و181 من الجزء السابع طبعة المعارف ) .
فان قلت : فما تصنع بحديث سعد بن أبي وقاص المروي في ( الصحيحين ) أنه قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه ، عليهما ثياب بيض ، كأشد القتال ، ما رأيتهما قبل ولا بعد " ، يعني جبريل وميكائيل ؟ قلت : إنما كان ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، لأنه صبر ولم يهزم كما انهزم أصحابه يوم أحد –انتهى- .
الإمداد ، لغة الإعانة . والمراد هنا إعانة الجيش . وهل إعانة الملائكة للجيش بالقتال معهم للحديث السابق . ولحديث عائشة في ( الصحيحين ) قالت : " لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ن الخندق ووضع السلاح واغتسل ، أتاه جبريل فقال : قد وضعت السلاح ؟ والله ما وضعناه ، اخرج اليهم ! قال : فإلى أين ؟ قال : هاهنا –وأشار الى بني قريظة ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم اليهم " - أو هي بتكثير سواد المسلمين وتثبيت قلوبهم ، كما قال تعالى في الأنفال : ( إذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ) . أو بهما معا . وهو الظاهر . وقد سئل السبكي عن الحكمة في قتال الملائكة ، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه ، فأجاب بأن ذلك لإرادة أن يكون الفضل للنبي وأصحابه ، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش ، رعاية لصورة الأسباب التي أجراها الله تعالى في عباده . والله فاعل الجميع –انتهى-
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.