تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

121

125- { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } .

المفردات :

من فورهم : أي من ساعتهم .

مسومين : مسومين بكسر الواو المشددة متخذين سمة أي علامة تميزهم وبفتحها بمعنى معلمين من الله تعالى .

التفسير :

بلى : أي نعم يكفيكم الإمداد بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين من الله ولكنه سبحانه يعدكم بأنكم إن تصبروا على قتال أعدائكم وعلى كل ما أمركم الله بالصبر عليه وتتقوا الله وتخشوه وتجتنبوا معاصيه ويأتوكم من فورهم هذا . أي ويعالجكم المشركون مسرعين ليحاربوكم وقد أعددتم أنفسكم لقتالهم إذ فعلتم ذلك يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة معلمين أنفسهم او خيلهم بعلامات مخصوصة .

في أعقاب الآية :

إذا كان الله تعالى قد أمد المؤمنين بالملائكة في بدر فهل كانت وظيفتهم القتال مع المؤمنين : او كانت وظيفتهم تثبيت المؤمنين فقط :

يرى كثير من العلماء أن الملائكة قد قاتلت مع المؤمنين .

قال القرطبي : تظاهرت الروايات بأن الملائكة حضرت يوم بدر وقاتلت .

ويرى فريق آخر من العلماء أن الملائكة ما قاتلت مع المسلمين يوم بدر وإنما أمد الله المؤمنين بالملائكة لتثبيت نفوسهم وتقوية قلوبهم ولتخذيل المشركين وإلقاء الرعب في قلوبهم .

قال صاحب تفسير المنار :

ليس في القرآن الكريم نص ناطق بأن الملائكة قاتلت بالفعل وإنما ذكر الملائكة في سياق الكلام عن غزوة بدر في سورة الأنفال على انها وعد من الله تعالى بإمداد المؤمنين بألف من الملائكة .

وفسر هذا الإمداد بقوله عز وجل :

{ إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } ( الأنفال 12 ) .

قال ابن جرير الطبري في معنى التثبيت :

" يقول قووا عزمهم وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين " .

وقيل : كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم .

ونقل صاحب المنار نقولا كثيرة في تفسير هذه الآية وفي تفسير سورة الأنفال رجح فيها أن معونة الملائكة للمؤمنين كانت معنوية وان الملائكة لم تظهر القتال77 .

وقال النيسابوري :

أجمع أهل التفسير وأرباب السير انه تعالى أنزل الملائكة يوم بدر وأنهم قاتلوا الكفار وعن ابن عباس أنه لم تقاتل الملائكة سوى يوم بدر وفيها سواء كانوا عددا ومددا لا يقاتلون ولا يضاربون ومنهم من قال إن نصر الملائكة بإلقاء الرعب في قلوب الكفار وبإشعار المؤمنين بأن النصر لهم .

هل هذه مناقشة مجدية :

في كتب التفسير الكبرى مثل تفسير الطبري والنيسابوري وفخر الدين الرازي وتفسير المنار نجد نقاشا قويا بحجج وأسانيد وأدلة عقلية ونقلية حول موضوعين :

الأول : هل أمد الله تعالى المؤمنين في غزوة بدر بهذا العدد المذكور في الآية 124-125 من سورة آل عمران ؟ .

فبعض المفسرين يرى ان الله أمد المؤمنين في بدر بخمسة آلاف من الملائكة وقال آخرون لم يزد المدد على ألف من الملائكة .

الموضوع الثاني : هل باشرت الملائكة القتال بنفسها ام اقتصرت مهمتها على تثبيت المؤمنين وإلقاء الرعب في قلوب المشركين ؟

والذي يطمئن إليه القلب أن الله تعالى أمد المؤمنين وإن ذلك كان من أسباب النصر .

أما النقاش في عدد الملائكة يوم بدر وهل كان ألفا أو خمسة آلاف ؟ والنقاش في عمل الملائكة يوم بدر فهو لون من ألوان الترف العقلي إن الملائكة من عالم الغيب ويكفينا كتاب الله ويكفي المسلم أن يعتقد بأن الله أوحي للملائكة بأن تثبت المؤمنين وتساعدهم في اكتساب النصر ولا يضير المسلم ان يجهل عدد الملائكة التي تنزلت ولا يزيد في يقينه أن يعتقد ان الملائكة باشرت القتال أو اقتصرت مهمتها على التثبيت وآراء الفريقين تحتملها النصوص ولا يزيد أن نرجح رأي فريق بل نحن اقرب إلى التسليم والتفويض وقولنا آمنا به كل من عند ربنا .

/خ129