الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (125)

قوله ( إِذْ تَقُولُ لِلْمُومِنِينَ أَلَنْ يَّكْفِيَكُمُ أَنْ يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ ) [ 124-125 ] . إذ متعلقة بتشكرون( {[10763]} ) . والمعنى : ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة إذ تقول للمؤمنين : ألن يكفيكم ، وذلك كله يوم بدر ، وذلك أن المسلمين حُدِّثوا أن كرز بن جابر الحارثي( {[10764]} ) يمد المشركين فاغتنموا لذلك ، فقيل لهم ( أَلَنْ يَّكْفِيَكُمُ أَنْ يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ المَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ )

( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا ) على عدوكم ( وَتَتَّقُوا ) أمر دينكم ( يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِّنَ المَلاَئِكَةِ مُسَوَّمِينَ ) ثم لم يأت كرز ، ولم يمددهم اله بخمسة آلاف . وقال أبو أسيد مالك بن ربيعة( {[10765]} ) وكان شاهد بدر وقد ذهب بصره : لو كنت معكم اليوم [ ببدر ]( {[10766]} ) ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة ، فعلى هذا يكون الله قد أمدهم وفعل بهم ما وعدهم به .

وقال ابن عباس : حدثني رجل من بني غفال قال : أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف على بدر ، ونحن مشركان ننتظر الواقعة على من تكون . قال : فبينما نحن على الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل ، فسمعت قائلاً يقول : أقدم حيزوم( {[10767]} ) قال : أما ابن عمي فأكشف قناع قلبه فمات مكانه ، أما أنا فكدت أهلك ، وتماسكت( {[10768]} ) .

وقال ابن عباس : لم تقاتل الملائكة في يوم من الأيام سوى يوم بدر وإنما كانوا في غيره من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون( {[10769]} ) .

وحكى أبو داود المازني( {[10770]} ) وكان شهد بدراً قال : إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري( {[10771]} ) .

وحكى ابن عباس عن أبي رافع( {[10772]} ) أنه قال : كنت أسلمت مع العباس بمكة ، وكان العباس يكتم إسلامه ، وكان قد خرج مع القوم وكنت أجلس في حجرة زمزم أنحت القداح ، فوصل إلينا خبر أهل بدر وما نزل( {[10773]} ) بهم ، فسرنا ، فدخل أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة( {[10774]} ) ، ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس : هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب( {[10775]} ) قد قدم( {[10776]} ) فقال أبو لهب : هلم يا ابن أخي فعندك الخبر ، فجلس إليه ، والناس قيام عليه ، فقال له : أخبرني كيف كان أمر الناس ؟ قال : لا شيء ، والله إن كان إلا أن لقيناهم ، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ، ويأسروننا كيف شاؤوا ! لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ، وما تلين( {[10777]} ) شيئاً ، وما يقوم( {[10778]} ) لها شيء ، قال أبو رافع : فرفعت طنب الحجرة . ثم قلت : تلك الملائكة( {[10779]} ) .

قال ابن عباس : أسر أبو اليسر كعبُ بنُ عمرو( {[10780]} ) العباسَ وكان أبو اليسر رجلاً مجموا وكان العباس رجلاً جسيماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أسرت العباس ؟ فقال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ، ولا بعده هيأته كذا وكذا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أعانك عليه والله ملك كريم .

وقيل( {[10781]} ) : إن قوله : ( إِذْ تَقُولُ لِلْمُومِنِينَ ) وما بعده في قصة يوم أحد هو كله وإنما وعدوا يوم بدر بأن يمدهم الله بألف من الملائكة مردفين .

قال قتادة : قوله : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمُ أَذِلَّةٌ ) أي : قليلون( {[10782]} ) . ثم رجع إلى قصة أحد فقال : إذ تقول للمؤمنين الآيات ووعد الله [ تعالى ]( {[10783]} ) المؤمنين يوم أحد أنهم إن صبروا واتقوا بعد هذا اليوم أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ففروا يوم أحد ، ولم يتقوا النبي صلى الله عليه وسلم [ في أمره ، فلم يمدهم بشيء .

وقال ابن زيد : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ]( {[10784]} ) فقالوا يا رسول الله : هل يمدنا كما أمدنا يوم بدر ؟ وذلك يوم أحد ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَلَنْ يَّكْفِيَكُمُ أَنْ يُّمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ )( {[10785]} ) . قال الشعبي( {[10786]} ) وغيره : وعدهم بخمسة آلاف ، إن جاءوا من ذلك الفور . فلم يجيئوا( {[10787]} ) ولم يمدهم بخمسة آلاف وأمدهم يوم بدر بألف من الملائكة مردفين ، يوم أحد بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فهم أربعة آلاف وهم( {[10788]} ) اليوم في جنود المسلمين( {[10789]} ) .

ومعنى ( مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا ) أي : من وجههم هذا .

وقيل : من غضبهم هذا( {[10790]} ) لأنهم غضبوا يوم بدر .

واستدل( {[10791]} ) من قال أنه تعالى قد أمدهم بقوله : ( إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ) .

وقال مجاهد : معنى مسومين " معلَّمين مجززة أذناب خيلهم ونواصيها [ فيها ]( {[10792]} ) الصوف العهن ، وذلك التسويم( {[10793]} ) .

وقال قتادة : ذكر لنا أن سيماهم يومئذ الصوف بنواصي خيلهم وأذنابها وأنهم كانوا على خيل بلق وقد سوم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصوف( {[10794]} ) .

وقيل( {[10795]} ) : نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق عليها عمائم صفر ، وكذلك كانت عمامة الزبير( {[10796]} ) .

وهذا كله يوم بدر ، على كسر الواو لأنها سومت أنفسها ، ومن فتح أضاف تسويمها إلى الله [ تعالى ذكره( {[10797]} ) . ومن فتح الواو أيضاً احتج بقوله ( مُنْزَلِينَ ) بإضافة النزول إلى الله ]( {[10798]} ) سبحانه فكذلك التسوم ، كانوا أنزلوا مسومين .

وقيل : معنى مسومين : مرسلين من سومت الخيل : أرسلتها إلى السائمة( {[10799]} ) . وحكى بعض النحويين( {[10800]} ) سوم الرجل غلامه أرسله ، وخلا سبيله فيكون المعنى على هذا مرسلين إلى الكفار( {[10801]} ) وكذلك ( قال )( {[10802]} ) الأخفش معناه : مرسلين( {[10803]} ) .

وأكثر الناس على أن معنى مسومين معلمين : من السومة( {[10804]} ) .

وقال مجاهد : لم تقاتل الملائكة يوم بدر ، وقال : مسومين معلمين بالصوف في أذناب خيلهم( {[10805]} ) .


[10763]:- ظاهر الآية اتصالها بما قبلها وأنها في قصة بدر وهو قول الجمهور فيكون (إِذْ) معمولا "لينصركم". وقيل: هي من تمام قصة أحد فيكون قوله: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ) معترضاً بين الكلامين لما فيه من التحريض على التوكل والثبات والقتال وتكون (إِذْ) بدلاً ثانياً من إذ غدوت. انظر: التفسير الكبير 8/228 والبيان في غريب الإعراب 1/219 والبحر 3/48.
[10764]:- كرز بن جابر بن حسان الحارثي القرشي الفهري توفي 8 هـ. أسلم وحسن إسلامه، ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم الجيش الذي بعثه في طلب العرنيين الذي قتلوا عامله قبل يوم الفتح، انظر: طبقات ابن سعد 5/455.
[10765]:- أبو أُسَيْد مالك بن ربيعة بن عوف الخزرجي توفي سنة 60 هـ. صحابي شهد بدراً وأُحداً والخندق قيل: إنه آخر البدريين موتاً. انظر: تاريخ الثقات 418 وطبقات ابن سعد 3/357 وأسد الغابة 5/13.
[10766]:- ساقط من (د).
[10767]:- حيزوم اسم فرس جبريل عليه السلام. اللسان حيزمة (12/133).
[10768]:- انظر: سيرة ابن هشام 633 وانظر: جامع البيان 4/77.
[10769]:- انظر: جامع البيان 4/77-84.
[10770]:- أبو داود المازني الأنصاري اختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل عمير بن عامر شهد بدراً وأُحد. أسد الغابة والاستيعاب 4/643.
[10771]:- انظر: سيرة ابن هشام 1/633 وجامع البيان 4/77.
[10772]:- هو أبو رافع عبد الله بن رافع المخزومي توفي 40 هـ اختلف في اسمه، كان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبه إياه عمه العباس شهد أُحداً وغيرها. أسد الغابة 1/52-5/106 والإصابة 4/67.
[10773]:- (د): وما أنزل بهم.
[10774]:- طنب الحجرة: طرفها اللسان (طنب) 1/560.
[10775]:- أبو سفيان الهاشمي القرشي واسمه المغيرة بن الحارث توفي 20 هـ. أخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع أسلم وحسن إسلامه. انظر: طبقات ابن سعد 4/35 وأسد الغابة 6/470.
[10776]:- (د): قد تقدم.
[10777]:- كذا في كل النسخ وهو خطأ والصواب وما تليق بمعنى: لا تبقي شيئاً "وتليق" هي رواية ابن هشام 1/647 والطبري 4/78.
[10778]:- (ب) (د): ولا يقوم.
[10779]:- انظر: سيرة ابن هشام 1/646-647.
[10780]:- أبو اليسر كعب بن عمرو بن عباد الأنصاري توفي 55 هـ شهد العقبة وبدراً. انظر: أسد الغابة 4/184 والكاشف 3/8.
[10781]:- حق هذا التقديم بعد قوله: إن متعلقة بتشكرون.
[10782]:- انظر: جامع البيان 4/75.
[10783]:- ساقط من (ج) (د).
[10784]:- ساقط من (أ) (ج).
[10785]:- انظر: جامع البيان 4/79.
[10786]:- هو أبو عمرو الشعبي عامر بن شراحيل توفي 107 من التابعين وأحد رجال الحديث، الثقات كان فقيهاً ومفسراً وله مناقب. انظر: تاريخ الثقات 243 والتهذيب 5/65.
[10787]:- (أ) و(ج): ولم.
[10788]:- (أ) (ج): فهم.
[10789]:- انظر: جامع البيان 4/76.
[10790]:- انظر: تفسير مجاهد 1/135 وجامع البيان 4/80.
[10791]:- (أ): استدل أنه من قال تعالى قد أمد بقوله تعالى...
[10792]:- ساقط من (ج).
[10793]:- انظر: تفسير مجاهد 135.
[10794]:- انظر: جامع البيان 4/82.
[10795]:- عزاه الطبري إلى هشام بن عروة انظر: المصدر السابق 4/83.
[10796]:- الزبير بن العوام بن خويلد القرشي توفي 56 هـ صحابي شجاع وأحد المبشرين بالجنة قتل غيلة. انظر: صفة الصفوة 1/342 وأسد الغابة 2/18 والإصابة 2/525.
[10797]:- الكسر قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وعاصم، والفتح قراءة نافع وابن عامر وحمزة والكسائي. انظر: معاني الأخفش 1/420 والسبعة 216، وحجة القراءات 173.
[10798]:- ساقط من (ج).
[10799]:- انظر: معاني الزجاج 1/467.
[10800]:- (د): البصريين.
[10801]:- هو رأي للكسائي ذكر في حجة القراءات 173.
[10802]:- ساقط من و (ج).
[10803]:- انظر: معاني الأخفش 1/420.
[10804]:- انظر: مجاز القرآن 1/103 وتفسير الغريب 107.
[10805]:- انظر: تفسير مجاهد 1/135.