ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى ، الذين هم أعداء الإسلام وأهله ، قاتلهم الله ، ثم أخبر{[9948]} أن بعضهم أولياء بعض ، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] }{[9949]}
قال{[9950]} ابن أبي حاتم : حدثنا كثير بن شهاب ، حدثنا محمد - يعني ابن سعيد بن سابق - حدثنا عمرو بن أبي قيس ، عن سِمَاك بن حَرْب ، عن عِياض : أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد ، وكان له كاتب نصراني ، فرفع إليه ذلك ، فعجب عمر [ رضي الله عنه ]{[9951]} وقال : إن هذا لحفيظ ، هل أنت قارئ لنا كتابًا في المسجد جاء من الشام ؟ فقال : إنه لا يستطيع [ أن يدخل المسجد ]{[9952]} فقال عمر : أجُنُبٌ هو ؟ قال : لا بل نصراني . قال : فانتهرني وضرب فخذي ، ثم قال : أخرجوه ، ثم قرأ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ] }{[9953]}
ثم قال الحسن بن محمد بن الصباح : حدثنا عثمان بن عمر ، أنبأنا ابن عَوْن ، عن محمد بن سِيرِين قال : قال عبد الله بن عتبة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديًا أو نصرانيًا ، وهو لا يشعر . قال : فظنناه يريد هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ [ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ] }{[9954]} الآية . وحدثنا{[9955]} أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن فضيل ، عن عاصم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب ، فقال : كُلْ ، قال الله تعالى : { وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ }
{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } فلا تعتمدوا عليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب . { بعضهم أولياء بعض } إيماء على علة النهي ، أي فإنهم متفقون على خلافكم يوالي بعضهم بعضا لاتحادهم في الدين واجماعهم على مضادتكم . { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } أي ومن والاهم منكم فإنه من جملتهم ، وهذا التشديد في وجوب مجانبتهم كما قال عليه الصلاة والسلام : " لا تتراءى ناراهما " ، أو لأن الموالي لهم كانوا منافقين . { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } أي الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفار أو المؤمنين بموالاة أعدائهم .
نهى الله تعالى المؤمنين بهذه الآية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في النصرة والخلطة المؤدية إلى الامتزاج والمعاضدة . وحكم هذه الآية باق . وكل من اكثر مخالطة هذين الصنفين فله حظه من هذا المقت الذي تضمنه قوله تعالى : { فإنه منهم } ، وأما معاملة اليهودي والنصراني من غير مخالطة ولا ملابسة فلا تدخل في النهي ، وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودياً ورهنه درعه ، واختلف المفسرون في سبب هذه الآية ، فقال عطية بن سعد والزهري وابن إسحاق وغيرهم : سببها «أنه لما انقضت بدر وشجر أمر بني قينقاع أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلهم فقام دونهم عبد الله بن أبي ابن سلول وكان حليفاً لهم ، وكان لعبادة بن الصامت من حلفهم مثل ما لعبد الله ، فلما رأى عبادة منزع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سلكته يهود من المشاقة لله ورسوله جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني أبرأ إلى الله من حلف يهود وولائهم ولا والي إلا الله ورسوله ، وقال عبد الله بن أبي : أما أنا فلا أبرأ من ولاء يهود ، فإني لا بد لي منهم إني رجل أخاف الدوائر{[4578]} .
وحكى ابن إسحاق في السير أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب درعه ، وقال : يا محمد أحسن في مواليَّ ، فقال له رسول الله : أرسل الدرع من يدك ، فقال لا والله حتى تهبهم لي لأنهم ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسراً أفأدعك تحصدهم في غداة واحدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد وهبتهم لك » ، ونزلت الآية في ذلك .
وقال السدي : سبب هذه الآية أنه لما نزل بالمسلمين أمر أحد فزع منهم قوم وقال بعضهم لبعض نأخذ من اليهود عصماً ليعاضدونا إن ألمّت بنا قاصمة من قريش وسائر العرب فنزلت الآية في ذلك{[4579]} .
وقال عكرمة : سبب الآية أمر أبي لبابة بن عبد المنذر وإشارته إلى قريظة أنه الذبح حين استفهموه عن رأيه في نزولهم على حكم سعد بن معاذ{[4580]} .
قال القاضي أبو محمد : وكل هذه الأقوال محتمل ، وأوقات هذه النوازل مختلفة ، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس «لا تتخذوا اليهود والنصارى أرباباً بعضهم » ، وقوله تعالى : { بعضهم أولياء بعض } جماعة مقطوعة من النهي يتضمن التفرقة بينهم وبين المؤمنين ، وقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } إنحاء على عبد الله بن أبيّ وكل من اتصف بهذه الصفة من موالاتهم ، ومن تولاهم بمعتقده ودينه فهو منهم في الكفر واستحقاق النقمة والخلود في النار ، ومن تولاهم بأفعاله من العضد ونحوه دون معتقد ولا إخلال بإيمان فهو منهم في المقت والمذمة الواقعة عليهم وعليه ، وبهذه الآية جوز ابن عباس وغيره ذبائح النصارى من العرب وقال : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } فقال من دخل في دين قوم فهو منهم{[4581]} ، وسئل ابن سيرين رحمه الله عن رجل أراد بيع داره من نصارى يتخذونها كنيسة فتلا هذه الآية ، وقوله تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } عموم فإما أن يراد به الخصوص فيمن سبق في علم الله أن لا يؤمن ولا يهتدي وإما أن يراد به تخصيص مدة الظلم والتلبس بفعله ، فإن الظلم لا هدى فيه ، والظالم من حيث هو ظالم فليس بمهديّ في ظلمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.