تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } أي : سلطها عليهم { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي : كوامل متتابعات مشائيم .

قال ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والثوري ، وغير واحد : { حسوما } متتابعات .

وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم ، كقوله : { فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] قال الربيع : وكان أولها الجمعة . وقال غيره الأربعاء . ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ؛ وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، ويقال : أيام العجوز ؛ لأن عجوزًا من قوم عاد دخلت سَرَبا فقتلها الريح في اليوم الثامن . حكاه البغوي{[29262]} والله أعلم .

قال ابن عباس : { خاوية } خربة . وقال غيره : بالية ، أي : جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتًا على أم رأسه ، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان .

وقد ثبت في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصِرْتُ بالصَّبا ، وأهلكَت عادٌ بالدَّبور " {[29263]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضِّريس العبدي ، حدثنا ابن فُضَيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم ، فَمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض . فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح{[29264]} وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا . فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " {[29265]} .

وقال الثوري عن ليث ، عن مجاهد : الريح لها جناحان وذنب .


[29262]:- (1) معالم التنزيل للبغوي (208).
[29263]:- (2) صحيح البخاري برقم (1035) وصحيح مسلم برقم (900).
[29264]:- (3) في م: "فلما رأى أهل الحاضر من عاد الريح".
[29265]:- (4) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (12/421) وأبو الشيخ في العظمة برقم (806) من طريق محمد بن فضيل عن مسلم، به. وقال الهيثمي في المجمع (7/113): "فيه مسلم الملائي وهو ضعيف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

سخرها عليهم سلطها عليهم بقدرته وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والمسبب سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم ويجوز أن يكون مصدرا منتصبا على العلة بمعنى قطعا أو المصدر لفعله المقدر حالا أي تحسمهم حسوما ويؤيده القراءة بالفتح وهي كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر وإنما سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء أو لأن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعها الريح في الثامن فأهلكتها فترى القوم إن كنت حاضرهم فيها في مهابها أو في الليالي والأيام صرعى موتى جمع صريع كأنهم أعجاز نخل أصول نخل خاوية متأكلة الأجواف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

والتسخير : استعمال الشيء باقتدار عليه . وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال ، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر . و { حسوماً } ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه : كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك ، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً ، قال الشاعر [ طفيل الغنوي ] : [ الطويل ]

عوازب لم تسمع نبوح مقامة*** ولم تر ناراً ثم حول مجرم{[11279]}

وقال الخليل : { حسوماً } ، أي شؤماً ونحساً ، وقال ابن زيد : { حسوماً } جمع حاسم كجالس وقاعد ، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك ، ومنه حسم العلل ومنه الحسام . والضمير في قوله { فيها صرعى } يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها . قال الثعلبي ، وقيل يعود على الريح ، وقد تقدم القول في التشبيه ب «أعجاز النخل » في سورة ( اقتربت الساعة ) . والخاوية : الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً .


[11279]:هذا البيت لطفيل الغنوي، الشاعر الجاهلي الذي عرف بوصفه للخيل حتى قال عنه في المؤتلف: "طفيل الخيل" جاء في كتاب الأمالي لأبي علي إسماعيل القالي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي يصف إبلا: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم سوى نار بيض أو غزال صريمة أغن من الخنس المناخر توأم إذا راعياها أنضجاه تراميا به خلسة أو شهوة المتقرم ونسبه في "الشعر والشعراء" لطفيل أيضا، وقال: إنه سبق به وجاء الحطيئة فأخذه منه وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تحلب إلا نهارا ضجورها يعني: لم تحلب التي تضجر من الحلب في البرد، ولكن تحلب إذا طلعت عليها الشمس"، وكان ابن قتيبة قد سبق في ترجمته للحطيئة في كتاب (الشعر والشعراء) قد نسب هذا البيت الأخير هنا للحطيئة، وقال: إنه سبق به، وجاء ابن مقبل بعده فأخذه عن الحطيئة، وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم وهو البيت نفسه الذي نسبه إلى طفيل الغنوي، وهكذا ناقض ابن قتيبة نفسه في كتاب واحد، فنسب البيت إلى طفيل الغنوي مرة، ونسبه إلى ابن مقبل مرة أخرى، وجعل البيت سابقا على بيت الحطيئة مرة ولا حقا له مرة أخرى، لكن رواية القالي في كتاب الأمالي ترجح أن البيت لطفيل الغنوي. وعوازب : بعيدات عن البيوت، والنبوح: أصوات الناس وضجيج السكان في الحي، والمقامة: حيث يقيم الناس، وتم الحول: تمامه وكماله، والمجرم: المكمل، يقول: إن هذه الإبل لقوم من أهل العزة والمنعة، ولهذا فهي ترعى وتمضي بعيدا حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، ولبعدها هذا فإنها لم تسمع أصوات الناس ولا ضجيج السكان في الحي، ولم تر نارا سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه، أو لحم غزال صغير ضئيل يصيده ثم يشويه أيضا، والصريمة: القطعة من الإبل، وأغن: في صوته غنة، والأخنس: القصير الأنف، وكل ظبي فهو أخنس، والتوأم: الذي ولد مع غيره، ولهذا كان صغير الجسم، وإذا صغر جسمه صغرت النار التي توقد لشوائه، وقوله: (تراميا به) يعني الغزال ، يترامى الراعيان لحمه عند الأكل: وخلسة: اختلاسا، والمتقرم: شديد الشهوة إلى اللحم. هذا وقد جاء في الأصول "المحرم" بالحاء بدلا من "المجرم" بالجيم.