تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (49)

وقوله : { وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : [ و ]{[5054]} يجعله رسولا إلى بني إسرائيل ، قائلا لهم : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ } وكذلك كان يفعل : يصور من الطين شكل طير ، ثم ينفخُ فيه ، فيطير عيانًا بإذن الله ، عز وجل ، الذي جعل هذا معجزة يَدُلّ على أن الله أرسله .

{ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ } قيل : هو الذي يبصر نهارًا ولا يبصر ليلا . وقيل بالعكس . وقيل : هو الأعشى . وقيل : الأعمش . وقيل : هو الذي يولد أعمى . وهو أشبه ؛ لأنه أبلغ في المعجزة وأقوى في التحدي { والأبرص } معروف .

{ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ } قال كثير من العلماء : بعث الله كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه ، فكان الغالب على زمان موسى ، عليه السلام ، السحر وتعظيم السحرة . فبعثه الله بمعجزة بَهَرَت الأبصار وحيرت كل سحار ، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام ، وصاروا من الأبرار . وأما عيسى ، عليه السلام ، فبُعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة ، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه ، إلا أن يكون مؤيدًا من الذي شرع الشريعة . فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد ، أو على مداواة الأكمه ، والأبرص ، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد ؟ وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم بعثه [ الله ]{[5055]} في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء ، فأتاهم بكتاب من الله ، عز وجل ، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ، أو بعشر سور من مثله ، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدًا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، وما ذاك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبدًا .

وقوله : { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } أي : أخبركم بما أكل أحدكم الآن ، وما هو مدخر [ له ]{[5056]} في بيته لغده { إِنَّ فِي ذَلِكَ } أي : في ذلك كله { لآيَةً لَكُمْ } أي : على صدْقي فيما جئتكم به . { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }


[5054]:زيادة من جـ، أ.
[5055]:زيادة من جـ، أ، و.
[5056]:زيادة من ر، أ، و.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (49)

{ ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم } منصوب بمضمر على إرادة القول تقديره : ويقول أرسلت رسولا بأني قد جئتكم ، أو بالعطف على الأحوال المتقدمة مضمنا معنى النطق فكأنه قال : وناطقا بأني قد جئتكم ، وتخصيص بني إسرائيل لخصوص بعثته إليهم أو للرد على من زعم أنه مبعوث إلى غيرهم . { أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير } نصب بدل من أني قد جئتكم ، أو جر بدل من آية ، أو رفع على هي أني أخلق لكم والمعنى : أقدر لكم وأصور شيئا مثل صورة الطير ، وقرأ نافع { إني } بالكسر { فأنفخ فيه } الضمير للكاف أي في ذلك الشيء المماثل . { فيكون طيرا بإذن الله } فيصير حيا طيارا بأمر الله ، نبه به على أن إحياءه من الله تعالى لا منه . وقرأ نافع هنا وفي المائدة " طائرا " بالألف والهمزة . { وأبرئ الأكمه والأبرص } الأكمه الذي ولد أعمى أو الممسوح العين . روي : أن ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى من أطاق منهم أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى عليه الصلاة والسلام وما يداوي إلا بالدعاء . { وأحيي الموتى بإذن الله } كرر بإذن الله دفعا لتوهم الألوهية ، فإن الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية . { وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها . { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } موفقين للإيمان فإن غيرهم لا ينتفع بالمعجزات ، أو مصدقين للحق غير معاندين .