فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡـَٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (49)

{ بني إسرائيل } أبناء يعقوب .

{ بآية } بحجة وعلامة وبرهان .

{ أخلق } أصور وأسوي بمقادير .

{ بإذن } بقدرته ومشيئته .

{ الأكمه } الذي ولد أعمى .

{ الأبرص } المصاب بالوضح في جلده .

{ أنبئكم } أخبركم .

{ تدخرون } تخبئون .

{ ورسولا إلى بني إسرائيل } وبنو إسرائيل هم أبناء يعقوب عليه السلام .

{ أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } كأن في الكلام مقدرا ، أي ناطقا بأني قد جئتكم بحجة وبرهان من ربكم وأمر معجز يشهد لي بالصدق وأني مبلغ عن الله – ثم بين عن الآية ما هي فقال . . . بأن أخلق من الطين كهيئة الطير والطير جمع طائر . . . فإن قال قائل وكيف ؟ قيل : فأنفخ فيه وقد قيل أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير قيل لأن معنى الكلام فأنفخ في الطير ولو كان ذلك : فأنفخ فيها وكان صحيحا جائزا كما قال في المائدة { . . فأنفخ فيها . . } يريد فأنفخ في الهيئة . . . { وأبرئ الأكمه والأبرص } يعني بقوله وأبرئ وأشفي . . . عن مجاهد : الأكمه الذي يبصر بالنهار ولا يبصر بالليل فهو يتكمه . . . عن قتادة قال : كنا نحدث أن الأكمه الذي ولد وهو أعمى مضموم العينين . . وإنما أخبر الله عز وجل عن عيسى صلوات الله عليه وسلامه أنه يقول ذلك لبني إسرائيل احتجاجا منه بهذه العبر والآيات عليهم في نبوته وذلك أن الكمه والبرص لا علاج لهما فيقدر على إبرائه ذو طب بعلاج فكان ذلك أدلته على صدق قيله أنه رسول لأنه من المعجزات ، مع سائر الآيات التي أعطاه إياها دلالة على نبوته . . . { وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم } وكان إحياء عيسى الموتى بدعاء من الله يدعو لهم فيستجيب له . . وأما قوله { وأنبئكم بما تأكلون } فإنه يعني وأخبركم بما تأكلون مما لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكموه . { وما تدخرون } يعني بذلك : وما تعرفونه فتخبئونه ولا تأكلونه . . . فإن قال قائل : وما كان في قوله لهم : وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم من الحجة له على صدقه وقد رأينا المتنجمة والمتكهنة تخبر بذلك كثيرا فتصيب ، قيل إن المتنجم والمتكهن معلوم منهما عند من يخبره بذلك أنهما ينبئان به عن استخراج له ببعض الأسباب المؤدية إلى علمه ، لم يكن ذلك كذلك من عيسى صلوات الله عليه ومن سائر أنبياء الله ورسله وإنما كان عيسى يخبر به عن غير استخراج ولا طلب لمعرفته باحتيال ، ولكن ابتداء بإعلام الله إياه من غير أصل تقدم ذلك احتذاه أو بنى عليه أو فزع إليه كما يفزع المتنجم إلى حسابه والمتكهن إلى رأيه . فذلك هو الفصل بين علم الأنبياء بالغيوب وإخبارهم عنها وبين علم سائر المتكذبة على الله أو المدعية علم ذلك ، { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } يعني بذلك ثناؤه : إن في خلقي من الطين الطير بإذن الله وفي إبرائي الأكمه والأبرص وإحيائي الموتى وإنبائي إياكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ابتداء من غير حساب وتنجيم ولا كهانة وعرافة ، لعبرة لكم ومتفكرا تتفكرون بذلك فتعتبرون به أني محق في قولي لكم إني رسول من ربكم إليكم ، وتعلمون به أني فيما أدعوكم إليه من أمر الله ونهيه صادق{ إن كنتم مؤمنين } يعني إن كنتم مصدقين حجج الله وآياته ، مقرين بتوحيده ونبيه موسى والتوراة التي جاءكم بها-{[972]} .


[972]:من جامع البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري.