تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

يقول تعالى : { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى } أي : استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال قال : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } قال مجاهد : أي من يَتبعني إلى الله ؟ وقال سفيان الثوري وغيره : من أنصاري مع الله ؟ وقول{[5059]} مجاهد أقربُ .

والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مواسم الحج ، قبل أن يهاجر : " مَنْ رَجُل يُؤْوِيني عَلى [ أن ]{[5060]} أبلغ كلامَ رَبِّي ، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي " {[5061]} حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه ، وهاجر إليهم فآسوه{[5062]} ومنعوه من الأسود والأحمر . وهكذا{[5063]} عيسى ابن مريم ، انْتدَبَ له طائفة من بني إسرائيل فآمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه . ولهذا قال تعالى مخبرًا عنهم : { قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } الحواريون ، قيل : كانوا قَصّارين وقيل : سموا بذلك لبياض ثيابهم ، وقيل : صيادين . والصحيح أن الحواري الناصر ، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نَدبَ الناس يوم الأحزاب ، فانتدب الزبير ، ثم ندبهم فانتدَبَ الزبير [ ثم ندبهم فانتدب الزبير ]{[5064]} فقال : " إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَاريًا وَحَوَارِيي الزُّبَيْرُ " {[5065]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشَجّ ، حدثنا وكيع ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا إسناد جيد .


[5059]:في أ: "وقال".
[5060]:زيادة من ر، وفي جـ، أ، و: "يؤويني حتى أبلغ".
[5061]:رواه أحمد في المسند (3/322) من حديث جابر رضي الله عنه.
[5062]:في أ: "فآمنوه".
[5063]:في أ: "وكذا".
[5064]:زيادة من أ، و.
[5065]:صحيح البخاري برقم (3719) وصحيح مسلم برقم (2415) من حديث جابر رضي الله عنه.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

{ فلما أحس عيسى منهم الكفر } تحقق كفرهم عنده تحقق ما يدرك بالحواس . { قال من أنصاري إلى الله } ملتجئا إلى الله تعالى أو ذاهبا أو ضاما إليه ، ويجوز أن يتعلق الجار ب{ أنصاري } مضمنا معنى الإضافة ، أي من الذين يضيفون أنفسهم إلى الله تعالى في نصري . وقيل إلى ها هنا بمعنى ( مع ) أو ( في ) أو ( اللام ) . { قال الحواريون } حواري الرجل خاصته من الحور وهو البياض الخالص ، ومه الحواريات للحضريات لخلوص ألوانهن . سمي به أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام لخلوص نيتهم ونقاء سريرتهم . وقيل كانوا ملوكا يلبسون البيض استنصر بهم عيسى عليه الصلاة والسلام من اليهود . وقيل قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها . { نحن أنصار الله } أي أنصار دين الله . { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون } لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم .