و( رَسُولاً ) أي : ويجعله رسولاً ، فالابتداء به حسن( {[9948]} ) .
وقيل المعنى : ويكلمهم رسولا( {[9949]} ) .
وقيل : هو معطوف على وجيه ، فالابتداء به على ذلك( {[9950]} ) .
ومن فتح ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم ) فهو متعلق برسول ، أي : فإني قد جئتكم بآية تصدقني أني رسول( {[9951]} ) .
والآية بمعنى الآيات( {[9952]} ) ، وهي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وإحداث الطير من الطين . وغير ذلك من : الإنجيل وغيره .
قوله : ( إِنِّيَ أَخْلُقُ ) من فتح أني جعلها بَدَلاً من ( أن )( {[9953]} ) الأولى ، وإن شئت بدلاً من ( آية ) ، ( و )( {[9954]} ) إن شئت على إضمار هي فتكون أن في موضع رفع( {[9955]} ) .
وقرأ يزيد بن القعقاع( {[9956]} ) ( أخلق لكم من الطين كهيأة الطائر( {[9957]} ) ) فيكون طائراً( {[9958]} ) .
وقال ابن إسحاق : حبس [ عيسى ]( {[9959]} ) عليه السلام يوماً مع غلمان في الكتاب [ فأخذ طيناً ]( {[9960]} ) ثم قال( {[9961]} ) : أجعل لكم هذا الطين طائراً ؟ قالوا( {[9962]} ) : وتستطيع ذلك ؟ قال : نعم ، بإذن الله ربي ، قال : ثم هيأه حتى إذا صار في هيأة الطائر نفخ فيه ، ثم قال كن طائراً بإذن الله ، فخرج يطير بإذن [ الله ]( {[9963]} ) بين كفيه فذكر الغلمان ذلك( {[9964]} ) لمعلمهم فأفشوه في الناس ، وترعرع فهمت به بنو إسرائيل ، فلما خافت أمه عليه حملته على حُمير ثم خرجت به هاربة( {[9965]} ) .
قال ابن جريج( {[9966]} ) وغيره : قال لهم : أيُّ الطير أشد خلقاً قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم ، ففعل مثله من الطين( {[9967]} ) ، وقال في هذه الصورة ( فَأَنْفُخُ فِيهِ ) رده على الطير ، وفي المائدة ( فَتَنْفُخُ فِيهَا )( {[9968]} ) رده على الهيأة ، ويجوز رد الهاء في هذه السورة ]( {[9969]} ) على الهيأة( {[9970]} ) لأنها ( بمعنى )( {[9971]} ) المثال والشبه ، وتأنيثها غير حقيقي ولا سلطت لا في نسخ( {[9972]} ) .
ولا يجوز في سورة المائدة رجوع الهاء على الطير لأنه اسم جمع( {[9973]} ) .
وقوله : ( وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ ) .
قال مجاهد : هو الذي يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار( {[9974]} ) .
وقال الأوزاعي : هو الذي لا يبصر بالليل ، وهو الذي به عشى( {[9975]} ) .
وقال قتادة : هو الذي ولد أعمى ، وكذلك قال أكثر المفسرين .
وعن ابن عباس وغيره : هو الأعمى حَدَث به ذلك ، أو ولد( {[9976]} ) [ به ]( {[9977]} ) .
وقال عكرمة : هو الأعمش( {[9978]} ) .
وقال وهب : كان عيسى عليه السلام قد هربت [ به ]( {[9979]} ) أمه إلى أرض مصر من قومها( {[9980]} ) فلما بلغ اثني( {[9981]} ) عشر سنة( {[9982]} ) أوحى الله عز وجل إليها( {[9983]} ) أن انطلقي إلى الشام ، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة ، جاءه الوحي على رأس الثلاثين فكانت نبوته ثلاثين سنة ، ثم رفعه الله إليه( {[9984]} ) .
وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام : أنه نعى( {[9985]} ) نفسه لفاطمة حين بلغ( {[9986]} ) سنّه ستين سنة وقال : " ما من نبي إلا يعمر مثل نصف عمر من قبله ( و )( {[9987]} ) أن عيسى عمّر مائة سنة وقد بلغت ستين سنة وما أراني إلا ميتاً في هذا العام " أو كلام هذا معناه " ( {[9988]} ) .
قال وهب : ربما اجتمع على عيسى عليه السلام من المرضى خمسون ألفاً من أطاق أن يبلغه بلغه ، ومن لم يطق ذلك أتاه عيسى يمشي إليه( {[9989]} ) ، فكان عيسى يداويهم بالدعاء وكان يُحْيي الموتى( {[9990]} ) .
قوله ( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَاكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ ) [ 48 ] .
أصل تدخرون تدتخرون( {[9991]} ) : تفتعلون من ذخرت ، فلما اختلف الحرفان( {[9992]} ) ، بأن كانت الذال حرفاً مجهوراً( {[9993]} ) ، والتاء حرفاً مهموساً( {[9994]} ) أبدل من التاء حرفا مجهوراً( {[9995]} ) يشبه الدال في الجهر ، ويقرب( {[9996]} ) منها في المخرج وهو الدال ، ثم ادغمت الذال في الدال( {[9997]} ) .
قال ابن إسحاق : لما بلغ [ عيسى ]( {[9998]} ) تسع سنين أو عشراً( {[9999]} ) ، أدخلته أمه الكتاب ، فلا يذهب المؤدب( {[10000]} ) يعلمه شيئاً إلا بادره عيسى صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلمه إياه ، فيقول المؤدب ألا تعجبون لابن هذه الأرملة( {[10001]} ) ، أذهب أعلمه شيئاً إلا وجدته أعلم به مني .
قال ابن جبير وغيره : كان يخبر الصبيان بما صنع في بيوتهم وبما صنع آباؤهم ، ويقول يا فلان : إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا من طعام ، ويقول للصبي : انطلق فإن أهلك يأكلون كذا وكذا ، ويقول : انطلق فقد خبأ لك أهلك كذا وكذا . فينطلق الصبي يبكي على أهله حتى يعطوه( {[10002]} ) ذلك الشيء ، فيقولون له : من أخبرك بهذا ؟ فيقول : عيسى .
فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا لأولادهم : لا تلعبوا مع هذا الساحر ، وحبسوا أولادهم عنه ، فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام ( يطلبهم فقالوا( {[10003]} ) : ليس هم هنا( {[10004]} ) ، فقال عيسى عليه السلام( {[10005]} ) ) : وما في هذا البيت ؟ فقالوا : خنازير ! فقال عيسى عليه السلام : كذلك يكونون ، ففتحوا( {[10006]} ) عنهم فإذا هم خنازير( {[10007]} ) ، فذلك قوله ( تعالى )( {[10008]} ) : ( لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ )( {[10009]} ) .
قال قتادة : معنى قوله : ( وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَاكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمُ ) ذلك في أمر المائدة التي نزلت عليهم كانت خواناً تنزل أين ما كانوا بثمر من ثمار الجنة ، وأمروا ألا يخونوا فيه ولا يدخروا لغد ، ابتلاهم الله بذلك فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئاً ، وادخروا( {[10010]} ) لغد أنبأهم عيسى صلى الله عليه وسلم به ، فهو قوله : ( بِمَا تَاكُلُونَ وَمَاتَدَّخِرُونَ ) أي : من المائدة التي نهوا عن ادخار( {[10011]} ) ما ينزل عليهم فيها( {[10012]} ) .
وقرأ مجاهد والزهري( {[10013]} ) تدخرون ، بدال مخففة( {[10014]} ) .
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ) ، أي : في جميع ما ذكر آية ، أي : في نبوة عيسى .