تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّـُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (143)

وهذا بيان لجهل العرب قبل الإسلام فيما كانوا حَرّموا من الأنعام ، وجعلوها أجزاءً وأنواعًا : بحيرة ، وسائبة ، ووصيلة وحامًا ، وغير ذلك من الأنواع التي ابتدعوها في الأنعام والزروع والثمار ، فبين{[11281]} أنه تعالى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ، وأنه أنشأ من الأنعام حمولة وفرشا . ثم بين أصناف الأنعام إلى غنم وهو بياض وهو الضأن ، وسواد وهو المعز ، ذكره وأنثاه ، وإلى إبل ذكورها وإناثها ، وبقر كذلك . وأنه تعالى لم يحرم شيئًا من ذلك ولا شيئًا من أولاده . بل كلها مخلوقة لبني آدم ، أكلا وركوبًا ، وحمولة ، وحلبا ، وغير ذلك من وجوه المنافع ، كما قال [ تعالى ]{[11282]} { وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } الآية [ الزمر : 6 ] .

وقوله : { أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ } رَدٌ عليهم في قولهم : { مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا }

وقوله : { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : أخبروني عن يقين : كيف حرم الله عليكم{[11283]} ما زعمتم تحريمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك ؟

وقال العَوْفي عن ابن عباس قوله : { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } فهذه أربعة أزواج ، { وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ } يقول : لم أحرم شيئًا من ذلك { [ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ ] }

يعني : هل يشمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى فلم تحرمون بعضا وتحلون بعضا ؟ ]{[11284]} { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } يقول : كله حلال .

وقوله : { أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا } تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله ، من تحريم ما حرموه من ذلك ، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : لا أحد أظلم منه ، { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }

وأول من دخل في هذه الآية : عمرو بن لُحَيّ بن قَمَعَة ، فإنه أول من غير دين الأنبياء ، وأول من سيب السوائب ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي ، كما ثبت ذلك في الصحيح{[11285]} .


[11281]:في أ: "وبين".
[11282]:زيادة من أ.
[11283]:في م، أ: "عليهم".
[11284]:زيادة من أ.
[11285]:سبق ذكر الحديث عند الآية: 103 من سورة المائدة وتخريجه هناك.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّـُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (143)

{ ثمانية أزواج } بدل من حمولة وفرشا ، أو مفعول كلوا ، ولا تتبعوا معترض بينهما أو فعل دل عليه أو حال من ما بمعنى مختلفة أو متعددة والزوج ما معه آخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الأول . { من الضأن اثنين } زوجين اثنين الكبش والنعجة ، وهو بدل من ثمانية وقرئ " اثنان " على الابتداء . و{ الضأن } اسم جنس كالإبل وجمعه ضئين أو جمع ضائن كتاجر وتجر . وقرئ بفتح الهمزة وهو لغة فيه . { ومن المعز اثنين } التيس والعنز ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالفتح وهو جمع ماعز كصاحب وصحب وحارس وحرس ، وقرئ " المعزى " . { قل آلذكرين } ذكر الضأن وذكر المعز . { حرم أم الأنثيين } أم أنثييهما ونصب الذكران والاثنين بحرم { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } أو ما حملت إناث الجنسين ذكرا كان أو أنثى { نبئوني بعلم } بأمر معلوم يدل على أن الله تعالى حرم شيئا من ذلك { إن كنتم صادقين } دعوى التحريم عليه .