فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّـُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (143)

اختلف في انتصاب { ثمانية } على ماذا ؟ فقال الكسائي : بفعل مضمر ، أي وأنشأ ثمانية أزواج ، وقال الأخفش سعيد : هو منصوب على البدل من حمولة وفرشاً ؛ وقال الأخفش علي بن سليمان : هو منصوب بكلوا ، أي كلوا لحم ثمانية أزواج . وقيل : منصوب على أنه بدل من «ما » في «مما رزقكم الله » والزوج خلاف الفرد ، يقال زوج أو فرد ، كما يقال شفع أو وتر ، فقوله : { ثمانية أزواج } يعني ثمانية أفراد ، وإنما سمي الفرد زوجاً في هذه الآية لأن كل واحد من الذكر والأنثى زوج بالنسبة إلى الآخر ، ويقع لفظ الزوج على الواحد ، فيقال : هما زوج ، وهو زوج ، ويقول اشتريت زوجي حمام ، أي ذكرا وأنثى . والحاصل أن الواحد إذا كان منفرداً سواء كان ذكراً أو أنثى ، قيل له فرد ، وإن كان الذكر مع أنثى من جنسه قيل لهما زوج ، ولكل واحد على انفراده منهما زوج ، ويقال لهما أيضاً زوجان ، ومنه قوله تعالى : { فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى } .

قوله : { مِنْ الضأن اثنين } بدل من ثمانية منتصب بناصبه على حسب الخلاف السابق ، والضأن ذوات الصوف من الغنم ، وهو جمع ضائن ، ويقال للأنثى ضائنة ، والجمع ضوائن . وقيل : هو جمع لا واحد له . وقيل : في جمعه : ضئين كعبد وعبيد . وقرأ طلحة بن مصرف «الضأن » بفتح الهمزة ، وقرأ الباقون بسكونها . وقرأ أبان بن عثمان { وَمِنْ الضأن اثنان وَمِنَ المعز اثنان } رفعاً بالابتداء .

قوله : { وَمِنَ المعز اثنين } معطوف على ما قبله مشارك له في حكمه . وقرأ ابن عامر ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وأهل البصرة ، بفتح العين من المعز . وقرأ الباقون بسكونها . قال النحاس : الأكثر في كلام العرب المعز والضأن بالإسكان ، والمعز من الغنم خلاف الضأن ، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار ، وهو اسم جنس ، وواحد المعز ماعز ، مثل صحب وصاحب ، وركب وراكب ، وتجر وتاجر ، والأنثى ماعزة . والمراد من هذه الآية : أن الله سبحانه بين حال الأنعام وتفاصيلها إلى الأقسام المذكورة توضيحاً للامتنان بها على عباده ، ودفعاً لما كانت الجاهلية تزعمه من تحليل بعضها وتحريم بعضها ، تقوّلاً على الله سبحانه وافتراء عليه ، والهمزة في { قُلْ آلذَّكَرَينِ حَرَّمَ أَمِ الأنثيين } للإنكار . والمراد بالذكرين الكبش والتيس ، وبالأنثيين النعجة والمعز ، وانتصاب الذكرين بحرّم ، والأنثيين معطوف عليه منصوب بناصبه . والمعنى : الإنكار على المشركين في أمر البحيرة وما ذكر معها . وقولهم : { مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا } أي قل لهم إن كان حرّم الذكور فكل ذكر حرام ، وإن كان حرّم الإناث فكل أنثى حرام ، وإن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ، يعني من الضأن والمعز ، فكل مولود حرام ، ذكراً كان أو أنثى وكلها مولود .

فيستلزم أن كلها حرام . وقوله : { نبِئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صادقين } أي أخبروني بعلم لا بجهل إن كنتم صادقين . والمراد من هذا التبكيت وإلزام الحجة ؛ لأنه يعلم أنه لا علم عندهم ، وهكذا الكلام في قوله : { وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين } إلى آخره .

/خ144