فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۖ مِّنَ ٱلضَّأۡنِ ٱثۡنَيۡنِ وَمِنَ ٱلۡمَعۡزِ ٱثۡنَيۡنِۗ قُلۡ ءَآلذَّكَرَيۡنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ أَمَّا ٱشۡتَمَلَتۡ عَلَيۡهِ أَرۡحَامُ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۖ نَبِّـُٔونِي بِعِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (143)

{ ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين 143 } .

ثم بين الحمولة والفرش فقال : { ثمانية أزواج } اختلف في انتصاب ثمانية على ماذا قال الكسائي بفعل مضمر أي وأنشأ ثمانية أصناف ، وقال الأخفش سعيد : هو منصوب على البدل من حمولة وفرشا ، وقال الأخفش : على هو منصوب بكلوا أي كلوا لحم ثمانية ، وقيل منصوب على أنه بدل من ما في { مما رزقكم الله } .

والزوج خلاف الفرد يقال : زوج أو فرد كما يقال شفع أو وتر ، يعني ثمانية أفراد ، وإنما سمي الفرد زوجا في هذه الآية لأن كل واحد من الذكر والأنثى زوج بالنسبة إلى الآخر ، ويقع لفظ الزوج على الواحد فيقال هما زوج وهو زوج وتقول اشتريت زوجي حمام أي ذكرا وأنثى والحاصل أن الواحد إذا كان منفردا سواء كان ذكرا أو أنثى قيل له فرد ، وإن كان الذكر مع أنثى من جنسه قيل لهما زوج لكل واحد منها على انفراد زوج ، ويقال لهما أيضا زوجان ومنه قوله تعالى : { وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى } .

{ من الضأن } أي ذوات الصوف من الغنم وهو جمع ضائن ويقال للأنثى ضائنة والجمع ضوائن ، وقيل هو جمع لا واحد ، وقيل اسم جمع ، وقيل في جمعه ضنين كعبد وعبيد ، قال النحاس : الأكثر في كلام العرب المعز والضأن بالإسكان .

{ اثنين } أي الذكر والأنثى يعني الكبش والنعجة { ومن المعز اثنين } أي الذكر والأنثى يعني التيس والعنز ، فالتيس للذكر والعنز للأنثى إذا أتى عليها حول والمعز من الغنم خلاف الضأن وهي ذوات الشعار والأذناب القاصر ، وهو إسم جنس لا واحد من لفظه ، وواحد المعز ماعز مثل صحب وصاحب ، وركب وراكب ، وتجر وتاجر ، والجمع معزي والأنثى ماعزة ، واثنين بدل من ثمانية أزواج صرح به أبو البقاء ، وهو ظاهر قول الزمخشري .

والمراد من هذه الآية أن الله سبحانه بين حال الأنعام وتفاصيلها إلى الأقسام المذكورة توضيحا للامتنان بها على عباده ، ودفعا لما كانت الجاهلية تزعمه من تحليل بعضها وتحريم بعض ، تقولا على الله سبحانه وافتراء عليه .

عن ابن عباس قال : الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والضأن والمعز ، أخرجه البيهقي وابن جرير وغيرهما ، وليت شعري ما فائدة نقل هذا الكلام عن ابن عباس من مثل هؤلاء الأئمة فإنه لا يتعلق به فائدة ، وكون الأزواج الثمانية هي المذكورة هو هكذا في الآية مصرحا به تصريحا لا لبس فيه .

قال أبو السعود : وهذه الأزواج اٍلأربعة تفصيل للفرش ، ولعل تقديمها في التفصيل مع تأخر أصلها في الإجمال لكون هذين النوعين عرضة للأكل الذي هو معظم ما يتعلق به الحل والحرمة وهو السر في الاقتصار على الأمر به في قوله تعالى : { كلوا مما رزقكم الله } من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب وغير ذلك مما حرموه في السائبة وأخواتها .

{ قل } يا محمد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أخرى ونسب ذلك إلى الله { آلذكرين حرم أم الأنثيين } منهما { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } منها المراد بالذكرين الكبش والتيس ، وبالأنثيين النعجة والعنز ، وانتصاب الذكرين بحرم ، والأنثيين معطوف عليه منصوب بناصبه والهمزة للإنكار ، والمعنى الإنكار على المشركين في أمر البحيرة وما ذكر معها ، وقولهم ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، أي قل لهم إن كان حرم الذكور ، فكل ذكر حرام وإن كان حرم الإناث فكل أنثى حرام وإن كان حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني من الضأن والمعز فكل مولود حرام حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين يعني من الضأن والمعز فكل مولود حرام ذكرا كان أو أنثى وكلها مولود فيستلزم أن كلها حرام .

{ نبؤني } أي أخبروني { بعلم } لا بجهل عن كيفية تحريم ذلك وفسروا لي ما حرمتم والمراد من هذا التبكيت لهم والتعجيز وإلزام الحجة لأنه يعلم أنه لا علم عندهم { إن كنتم صادقين } في أن الله حرم ذلك عليكم .