قال ابن عباس والضحاك : { الْبَشِيرُ } البريد .
وقال مجاهد والسدي : كان يهوذا بن يعقوب .
قال السدي : إنما جاء به لأنه هو الذي جاء بالقميص وهو ملطخ بدم كَذب ، فأراد{[15290]} أن يغسل ذلك بهذا ، فجاء بالقميص فألقاه على وجه أبيه ، فرجع بصيرا .
وقال لبنيه عند ذلك : { أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي : أعلم أن الله سيرده إليَّ ، وقلت لكم : { إِنِّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ } ؟ . فعند ذلك قالوا لأبيهم مترفقين له : { يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } أي : من تاب إليه تاب عليه .
قال ابن مسعود ، وإبراهيم التَّيْمِيّ ، وعمرو بن قيس ، وابن جُرَيْج وغيرهم : أرجأهم إلى وقت السَّحَر .
وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب ، حدثنا ابن إدريس ، سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال : كان عمر ، رضي الله عنه ، يأتي المسجد فيسمع{[15291]} إنسانا يقول : " اللهم دعوتني فأجبت ، وأمرتني فأطعت ، وهذا السَّحَرُ فاغفر لي " . قال : فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود . فسأل عبد الله عن ذلك فقال : إن يعقوب أخَّر بنيه إلى السحر بقوله : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } {[15292]}
وقد ورد في الحديث أن ذلك كان ليلة جمعة ، كما قال ابن جرير : أيضا : حدثني المثنى ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو{[15293]} أيوب الدمشقي ، حدثنا الوليد ، أنبأنا ابن جُرَيْج ، عن عطاء وعِكْرِمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } يقول : حتى تأتي ليلة الجمعة ، وهو قول أخي يعقوب لبنيه{[15294]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ أَن جَآءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىَ وَجْهِهِ فَارْتَدّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لّكُمْ إِنّيَ أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما أن جاء يعقوبَ البشيرُ من عند ابنه يوسف ، وهو المبشر برسالة يوسف ، وذلك بريد فيما ذكر كان يوسف يردّه إليه ، وكان البريد فيما ذكر والبشير يهوذا بن يعقوب أخا يوسف لأبيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألْقاهُ على وَجْهِهِ يقول : البشير : البريد .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر عن الضحاك : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : البريد .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : البريد .
قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : يهوذا بن يعقوب .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : البَشِيرُ قال : يهوذا بن يعقوب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : يهوذا بن يعقوب .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : هو يهوذا بن يعقوب .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : يهوذا بن يعقوب كان البشير .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : هو يهوذا بن يعقوب .
قال سفيان : وكان ابن مسعود يقرأ : وجاء البشير من بين يدي العير .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : البريد هو يهوذا بن يعقوب .
قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ ، قال : قال يوسف : اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فألْقُوهُ على وَجْهِ أبي يَأْتِ بَصِيرا وأْتُونِي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ قال يهوذا : أنا ذهبت بالقميص ملطخا بالدم إلى يعقوب فأخبرته أن يوسف أكله الذئب ، وأنا أذهب اليوم بالقميص وأخبره أنه حيّ فأفرّحه كما أحزنته . فهو كان البشير .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ قال : البريد .
وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول : «أن » في قوله : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ وسقوطها بمعنى واحد ، وكان يقول هذا في «لما » و «حتى » خاصة ، ويذكر أن العرب تدخلها فيهما أحيانا وتسقطها أحيانا ، كما قال جلّ ثناؤه : ولَمّا أنْ جاءَتْ رُسُلُنا ، وقال في موضع آخر : ولَمّا جاءَتْ رُسُلُنا وقال : هي صلة لا موضع لها في هذين الموضعين ، يقال : حتى كان كذا وكذا ، وحتى أن كان كذا وكذا .
وقوله : ألْقاهُ على وَجْههِ يقول : ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فَلَمّا أنْ جاءَ البَشِيرُ ألقى القميص على وجهه .
وقوله : فارْدَتدّ بَصِيرا يقول : رجع وعاد مبصرا بعينيه بعد ما قد عمي . قالَ أَلمْ أقُلْ لَكُمْ إنّي أعْلَمُ مِنَ اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ يقول عزّ وجلّ : قال يعقوب لمن كان بحضرته حينئذٍ من ولده : ألم أقل لكم يا بنيّ إنى أعلم من الله أنه سيردّ عليّ يوسف ، ويجمع بيني وبينه ، وكنتم لا تعلمون أنتم من ذلك ما كنت أعلمه ، لأن رؤيا يوسف كانت صادقة ، وكان الله قد قضى أن أخِرّ أنا وأنتم له سجودا ، فكنت موقنا بقضائه .
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( 96 ) قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ( 97 ) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 98 ) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ( 99 )
روي عن ابن عباس : أن { البشير } كان يهوذا لأنه كان جاء بقميص الدم .
قال القاضي أبو محمد : حدثني أبي رضي الله عنه قال : سمعت الواعظ أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يقول : إن يوسف عليه السلام لما قال : { اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي } [ يوسف : 93 ] قال يهوذا لإخوته : قد علمتم أني ذهبت إليه بقميص الَّترحة فدعوني أذهب إليه بقميص الفرحة ؛ فتركوه وذلك . وقال هذا المعنى السدي . و { ارتد } معناه : رجع هو ، يقال : ارتد الرجل ورده غيره ، و { بصيرا } معناه : مبصراً ، ثم وقفهم على قوله : { إني أعلم من الله ما لا تعلمون } وهذا - والله أعلم - هو انتظاره لتأويل الرؤيا - ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله تعالى فقط .
وروي : أنه قال للبشير : على أي دين تركت يوسف ؟ قال : على الإسلام قال : الحمد لله ، الآن كملت النعمة .
وفي مصحف ابن مسعود : «فلما أن جاء البشير من بين يدي العير » ، وحكى الطبري عن بعض النحويين أنه قال : { أن } في قوله : { فلما أن جاء البشير } زائدة ، والعرب تزيدها أحياناً في الكلام بعد لما وبعد حتى فقط ، تقول : لما جئت كان كذا ، ولما أن جئت ، وكذلك تقول : ما قام زيد حتى قمت ، وحتى أن قمت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.