تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

يبين سبحانه بهذا قدرته العظيمة على خلق السموات والأرض ، وما فيهما وما بينهما ، فقال : { خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } ، قال الحسن وقتادة : ليس لها عَمَد مرئية ولا غير مرئية .

وقال ابن عباس ، وَعكْرِمة ، ومجاهد : لها عمد لا ترونها . وقد تقدم تقرير هذه المسألة في أول سورة " الرعد " بما أغنى{[22930]} عن إعادته .

{ وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ } يعني : الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء ؛ ولهذا قال : { أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ } أي : لئلا تميد بكم .

وقوله : { وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } أي : وذرأ فيها من أصناف الحيوانات مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها .

ولما قرر أنه الخالق نبه على أنه الرازق بقوله تعالى { وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } أي : من كل زوج من النبات كريم ، أي : حسن المنظر .

وقال الشعبي : والناس - أيضًا - من نبات الأرض ، فَمَنْ دخل الجنة فهو كريم ، ومَنْ دخل النار فهو لئيم .


[22930]:- في ت: "بما يغني".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَآبّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } .

يقول تعالى ذكره : ومن حكمته أنه خَلَقَ السّمَوَاتِ السبع بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها . وقد ذكرت فيما مضى اختلاف أهل التأويل في معنى قوله بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وبيّنا الصواب من القول في ذلك عندنا . وقد :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا معاذ بن معاذ ، عن عمران بن حدير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال : لعلها بعمد لا ترونها .

وقال : ثنا العلاء بن عبد الجبار ، عن هماد بن سلمة ، عن حميد ، عن الحسن بن مسلم ، عن مجاهد ، قال : إنها بعمد لا ترونها .

قال : ثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لعلها بعمد لا ترونها .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد ، عن سماك ، عن عكرمة في هذا الحرف خَلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال : ترونها بغير عمد ، وهي بَعمد .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة خَلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال : قال الحسن وقتادة : إنها بغير عمد ترونها ، ليس لها عمد .

وقال ابن عباس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا قال : لها عمد لا ترونها .

وقوله : وألْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ يقول : وجعل على ظهر الأرض رواسي ، وهي ثوابت الجبال أن تميد بكم أن لا تميد بكم . يقول : أن لا تضطرب بكم ، ولا تتحرّك يمنة ولا يسرة ، ولكن تستقرّ بكم ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وألْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِي : أي جبالاً أنْ تَمِيدَ بِكُمْ أثبتها بالجبال ، ولولا ذلك ما أقرّت عليها خلقا ، وذلك كما قال الراجز :

*** والمُهْرُ يَأْبَى أنْ يَزَالَ مُلَهّبا ***

بمعنى : لا يزال .

وقوله : وَبَثّ فِيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يقول : وفرّق في الأرض من كلّ أنواع الدوابّ . وقيل الدوابّ اسم لكلّ ما أكل وشرب ، وهو عندي لكلّ ما دبّ على الأرض . وقوله : وأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً ، فأنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ يقول تعالى ذكره : وأنزلنا من السماء مطرا ، فأنبتنا بذلك المطر في الأرض من كلّ زوج ، يعني : من كل نوع من النبات كريم ، وهو الحسن النّبتة ، كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ : أي حسن .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

وقوله تعالى : { بغير عمد ترونها } يحتمل أن يعود الضمير على { السماوات } فيكون المعنى أن السماء بغير عمد وأنها ترى كذلك ، وهذا قول الحسن والناس ، و { ترونها } على هذا القول في موضع نصب على الحال ، ويحتمل أن يعود الضمير على «العمد » فيكون { ترونها } صفة للعمد في موضع خفض ، ويكون المعنى أن السماء لها عمد لكن غير مرئية قاله مجاهد ونحا إليه ابن عباس ، والمعنى الأول أصح والجمهور عليه ، ويجوز أن تكون { ترونها } في موضع رفع على القطع ولا عمد ثم ، و «الرواسي » هي الجبال التي رست أي ثبتت في الأرض ، وقوله : { أن تميد } بمعنى لئلا تميد{[9350]} ، والميد التحرك يمنة ويسرة وما قرب من ذلك ، وقوله تعالى : { من كل زوج } أي من كل نوع ، و «الزوج » في النوع والصنف وليس بالذي هو ضد الفرد ، وقوله تعالى : { كريم } يحتمل أن يريد مدحه من جهة إتقان صنعه وظهور حسن الرتبة والتحكيم للصنع فيه فيعم حينئذ جميع الأنواع لأن هذا المعنى في كلها ، ويحتمل أن يريد مدحه بكرم جوهره وحسن منظره ومما تقضي له النفوس بأنه أفضل من سواه حتى يستحق الكرم ، فتكون الأزواج على هذا مخصوصة في نفائس الأشياء ومستحسناتها ، ولما كان عظم الموجودات كذلك خصص الحجة بها . وقوله : { أنبتنا } يعم جميع أنواع الحيوان وأنواع النبات والمعادن{[9351]} .


[9350]:هذا رأي الفراء، ذكره في (معاني القرآن) ونقله عنه الطبري، ثم ابن عطية وبعض المفسرين، قال: " [وأن] في هذا الموضع تكفي من (لا)، كما قال الشاعر: والمهر يأبى أن يزال ملهبا معناه، يأبى أن لا يزال" 1 هـ. والملهب: الشديد الجري، وقد ألهب الفرس: اضطرم جريه.
[9351]:في بعض النسخ: "يعم أنواع المعادن والنبات".