وهذه{[14041]} الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : { فَإِنْ تَوَلَّوْا } أي : تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، { فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ } أي : الله كافيَّ ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى : { رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا } [ المزمل : 9 ] .
{ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وَقَدَره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .
يقول تعالى ذكره : فإن تولى يا محمد هؤلاء الذين جئتهم بالحقّ من عند ربك من قومك ، فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله وما دعوتهم إليه من النور والهدى ، فقل حسبي الله ، يكفيني ربي لا إلَهِ إلاّ هُوَ لا معبود سواه ، عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وبه وثقت ، وعلى عونه اتكلت ، وإليه وإلى نصره استندت ، فإنه ناصري ومعيني على من خالفني وتولى عني منكم ومن غيركم من الناس . وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيم الذي يملك كل ما دونه ، والملوك كلهم مماليكه وعبيده . وإنما عني بوصفه جلّ ثناؤه نفسه بأنه ربّ العرش العظيم ، الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده وفي ملكه وسلطانه لأن العرش العظيم إنما يكون للملوك ، فوصف نفسه بأنه ذو العرش دون سائر خلقه وأنه الملك العظيم دون غيره وأن من دون في سلطانه وملكه جار عليه حكمه وقضاؤه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ يعني الكفار تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه في المؤمنين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عبيد بن عمير ، قال : كان عمر رحمة الله عليه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد رجلان ، فجاء رجل من الأنصار بهاتين الاَيتين : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ فقال عمر : لا أسألك عليهما بينة أبدا ، كذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، عن زهير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح الحنفي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ رَحِيمٌ يُحِبّ كُلّ رَحِيم ، يَضَعُ رَحْمَتَهُ على كُلّ رَحِيمٍ » . قالوا : يا رسول الله إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا قال : وأراه قال : وأزواجنا . قال : «ليسَ كذلكَ ، ولكِنْ كُونُوا كمَا قَالَ اللّهُ : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فإنْ تَوَلّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَهُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ » أراه قرأ هذه الآية كلها .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا شعبة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف ، عن ابن عباس ، عن أبيّ بن كعب ، قال : آخر آية نزلت من القرآن : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ . . . إلى آخر الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا شعبة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، عن أبيّ ، قال : آخر آية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ . . . الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا شعبة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن أبيّ ، قال : أحدث القرآن عهدا بالله هاتان الاَيتان : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتّمْ . . . إلى آخر الاَيتين .
حدثني أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا أبان بن يزيد العطار ، عن قتادة ، عن أبيّ بن كعب ، قال : أحدث القرآن عهدا بالله الاَيتان : لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ . . . إلى آخر السورة .
ثم خاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد تقريره عليهم هذه النعمة فقال : { فإن تولوا } يا محمد أي أعرضوا بعد هذه الحال المتقررة التي من الله عليهم بها { فقل حسبي الله } معناه وأعمالك بحسب قولك من التفويض إلى الله والتوكل عليه والجد في قتالهم ، وليست بآية موادعة لأنها من آخر ما نزل ، وخصص { العرش } بالذكر إذ هو أعظم المخلوقات ، وقرأ ابن محيصن «العظيمُ » برفع الميم صفة للرب ، ورويت عن ابن كثير ، وهاتان الآيتان لم توجدا حين جمع المصحف إلا في حفظ خزيمة بن ثابت{[5990]} ، ووقع في البخاري أو أبي خزيمة ، فلما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة ، وقد كان زيد يعرفهما ولذلك قال : فقدت آيتين من آخر سورة التوبة ولو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئاً أم لا ، فإنما ثبتت الآية بالإجماع لا بخزيمة وحده ، أسند الطبري في كتابه قال : كان عمر لا يثبت آية في المصحف إلا أن يشهد عليها رجلان ، فلما جاء خزيمة بهاتين الآيتين قال : والله لا أسألك عليهما بينة أبداً فإنه هكذا كان صلى الله عليه وسلم .
قال القاضي أبو محمد : يعني صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي تضمنتها الآية ، وهذا والله أعلم قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه : وفي مدة أبي بكر حين الجمع الأول وحينئذ فقدت الآيتان ولم يجمع من القرآن شيء في خلافة عمر ، وخزيمة بن ثابت هو المعروف بذي الشهادتين ، وعرف بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمضى شهادته وحده في ابتياع فرس وحكم بها لنفسه صلى الله عليه وسلم{[5991]} ، وهذا خصوص لرسول الله صلى الله عليه وسلم{[5992]} وذكر النقاش عن أبيّ بن كعب أنه قال أقرب القرآن عهداً بالله تعالى هاتان الآيتان { لقد جاءكم رسول } إلى آخر السورة{[5993]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.