تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (18)

يخبر تعالى عن مآل السعداء والأشقياء فقال : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ } أي : أطاعوا الله ورسوله ، وانقادوا لأوامره ، وصدقوا أخباره الماضية والآتية ، فلهم { الحسنى } وهو الجزاء الحسن{[15559]} كما قال تعالى مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال : { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا } [ الكهف : 87 ، 88 ] وقال تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] .

وقوله : { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ } أي لم : يطيعوا الله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا } أي : في الدار الآخرة ، لو أن يمكنهم أن يفتدوا من عذاب الله بملء الأرض ذهبا ومثله معه لافتدوا به ، ولكن لا يتقبل منهم ؛ لأنه تعالى لا يقبل منهم يوم القيامة صرفا ولا عدلا { أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ } أي : في الدار الآخرة ، أي : يناقشون على النقير والقطمير ، والجليل والحقير ، ومن نوقش الحساب عذب ؛ ولهذا قال : { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }


[15559]:- في ت : "الخير".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِلّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ الْحُسْنَىَ وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنّ لَهُمْ مّا فِي الأرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلََئِكَ لَهُمْ سُوَءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } .

يقول تعالى ذكره : أما الذين استجابوا لله فآمنوا به حين دعاهم إلى الإيمان به وأطاعوه فاتبعوا رسوله وصدّقوه فيما جاءهم به من عند الله ، فإن لهم الحسنى ، وهي الجنة . كذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لِلّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهمُ الحُسْنَى وهي الجنة .

وقوله : وَالّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أنّ لَهُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ يقول تعالى ذكره : وأما الذين لم يستجيبوا له حين دعاهم إلى توحيده والإقرار بربوبيته ، ولم يطيعوه فيما أمرهم به ، ولم يتبعوا رسوله فيصدّقوه فيما جاءهم به من عند ربهم ، فلو أنّ لهم ما فِي الأرض جميعا من شيء ومثله معه ملكا لهم ثم مثل ذلك وقُبِل ذلك منهم بدلاً من العذاب الذي أعدّه الله لهم في نار جهنم وعوضا لافتدوا به أنفسهم منه ، يقول الله : أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الحِسابِ يقول : هؤلاء الذين لم يستجيبوا لله لهم سوء الحساب : يقول : لهم عند الله أن يأخذهم بذنوبهم كلها ، فلا يغفر لهم منها شيئا ، ولكن يعذّبهم على جميعها . كما :

حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا عون ، عن فَرقدٍ السّبَخِيّ ، قال : قال لنا شهر بن حَوُشب : سُوءُ الحِسابِ أن لا يتجاوز لهم عن شيء .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : ثني الحجاج بن أبي عثمان ، قال : ثني فَرْقَدٍ السبَخِيّ ، قال : قال إبراهيم النخعيّ : يا فرقد أتدري ما سوء الحساب ؟ قلت : لا ، قال : هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يُغفر له منه شيء .

وقوله : ومَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ يقول : ومسكنهم الذي يسكنونه يوم القيامة جهنم . وَبِئْسَ المِهادُ يقول : وبئس الفِراش والوِطاء جهنم ، التي هي مأواهم يوم القيامة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (18)

{ للذين استجابوا } للمؤمنين الذين استجابوا . { لربهم الحسنى } الاستجابة الحسنى . { والذين لم يستجيبوا له } وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما . وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوية أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره . { لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به } وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين . { أولئك لهم سوء الحساب } وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء . { ومأواهم } مرجعهم . { جهنم وبئس المهاد } المستقر والمخصوص بالذم محذوف .