وهذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة ، عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم ، كما قال تعالى : { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] وقال تعالى : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الحجر : 92 ، 93 ] .
وقول الرسل : { لا عِلْمَ لَنَا } قال مجاهد ، والحسن البصري ، والسُّدِّي : إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم .
قال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الأعمش ، عن مجاهد : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ } فيفزعون فيقولون : { لا عِلْمَ لَنَا } رواه ابن جرير وابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حُمَيْد ، حدثنا حَكَّام ، حدثنا عَنْبَسَة قال : سمعت شيخًا يقول : سمعت الحسن يقول في قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ } الآية ، قال : من هول ذلك اليوم .
وقال أسباط ، عن السُّدِّي : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا } ذلك : أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا قالوا : { لا عِلْمَ لَنَا } ثم نزلوا منزلا آخر ، فشهدوا على قومهم . رواه ابن جرير .
ثم قال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الحجاج ، عن ابن جُرَيْج قوله : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ } ماذا عملوا بعدكم ؟ وماذا أحدثوا بعدكم ؟ قالوا : { لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ }
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } يقولون للرب ، عز وجل : لا علم لنا ، إلا علم أنت أعلم به منا .
رواه ابن جرير . ثم اختاره على هذه الأقوال الثلاثة{[10520]} ولا شك أنه قول حسن ، وهو من باب التأدب مع الرب ، عز وجل ، أي : لا علم لنا بالنسبة إلى علمك المحيط بكل شيء ، فنحن وإن كنا قد أجبنا وعرفنا من أجابنا ، ولكن منهم من كنا إنما نطلع على ظاهره ، لا علم لنا بباطنه ، وأنت العليم بكل شيء ، المطلع على كل شيء . فعلمنا بالنسبة إلى علمك كلا عِلْم ، فإنك { أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ }
القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنّكَ أَنتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ } . .
يقول تعالى ذكره : واتقوا الله أيها الناس ، واسمعوا وَعْظَه إيَّاكم وتذكيرَه لكم ، واحذروا يوم يجمع الله الرسل . ثم حذف «واحذروا » واكتفى بقوله : " وَاتّقُوا اللّهَ واسمَعُوا " عن إظهاره ، كما قال الراجز :
عَلَفْتُها تِبْنا وَماءً بارِدا ***حتى غَدَتْ هَمّالَةً عَيْناها
يريد : وسقيتها ماء باردا ، فاستغنى بقوله «علفتها تبنا » من إظهار سقيتها ، إذ كان السامع إذا سمعه عرف معناه . فكذلك في قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ حذف «واحذروا » لعلم السامع معناه ، اكتفاء بقوله : واتّقُوا اللّهَ واسمَعُوا إذ كان ذلك تحذيرا من أمر الله تعالى خلقه عقابه على معاصيه .
وأما قوله : " ماذَا أُجِبْتُمْ " فإنه يعني به : ما الذي أجابتكم به أممكم حين دعوتموهم إلى توحيدي والإقرار بي والعمل بطاعتي والانتهاء عن معصيتي ؟ قالوا : لا علم لنا .
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى قولهم : " لا عِلْمَ لَنا " لم يكن ذلك من الرسل إنكارا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم ، ولكنهم ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم ، ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا " قال : ذلك أنهم لما نزلوا منزلاً ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا ، قالوا : لا علم لنا . ثم نزلوا منزلاً آخر ، فشهدوا على قومهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، قال : سمعت الحسن يقول ، في قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ . . . . " الاية ، قال : من هول ذلك اليوم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوريّ ، عن الأعمش ، عن مجاهد في قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ " فيفزعون ، فيقول : ماذا أجبتم ؟ فيقولون : " لا عِلْمَ لَنا " .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا علم لنا إلا ما علمتنا .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ " فيقولون : " قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاّ ما عَلّمْتَنا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ " .
وقال آخرون : معنى ذلك : قالوا لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا " إلا علم أنت أعلم به منا .
وقال آخرون : معنى ذلك ماذَا أُجِبْتُمْ : ماذا عملوا بعدكم ؟ وماذا أحدثوا ؟
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : " يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرّسُلَ فَيَقُولُ ماذَا أُجِبْتُمْ " : ماذا عملوا بعدكم ، وماذا أحدثوا بعدكم ؟ قالوا : " قالُوا لا عِلْمَ لَنا إلاّ مَا عَلّمْتَنا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ " .
وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : معناه : لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا ، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا : " لا عِلْمَ لَنا إلاّ مَا عَلّمْتَنَا إنّكَ أنْتَ عَلاّمُ الغُيُوبِ " : أي أنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفي العلوم وجليها . فإنما نفى القوم أن يكون لهم بما سئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره ، لا أنهم نفوا أن يكونوا علموا ما شاهدوا ، كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنهم يخبرون بما أجابتهم به الأمم ، وأنهم سيشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء ، فقال تعالى ذكره : " وكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا " .
وأما الذي قاله ابن جريج من أن معناه : ماذا عملت الأمم بعدكم ؟ وماذا أحدثوا ؟ فتأويل لا معنى له ، لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يحدث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك ، وإذا سئلت عما عملت الأمم بعدها والأمر كذلك فإنما يقال لها : ماذا عرّفناك أنه كائن منهم بعدك ؟ وظاهر خبر الله تعالى ذكره عن مسألته إياهم يدلّ على غير ذلك .
{ والله لا يهدي القوم الفاسقين } أي لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة فقوله تعالى :{ يوم يجمع الله الرسل } ظرف له . وقيل بدل من مفعول واتقوا بدل الاشتمال ، أو مفعول واسمعوا على حذف المضاف أي واسمعوا خبر يوم جمعهم ، أو منصوب بإضمار اذكر . { فيقول } أي للرسل . { ماذا أجبتم } أي إجابة أجبتم ، على أن ماذا في موضع المصدر ، أو بأي شيء أجبتم فحذف الجار ، وهذا السؤال لتوبيخ قومهم كما أن سؤال الموؤدة لتوبيخ الوائد ولذلك { قالوا لا علم لنا } أي لا علم لنا بما لست تعلمه . { إنك أنت علام الغيوب } فتعلم ما نعلمه مما أجابونا وأظهروا لنا وما لا نعلم مما أضمروا في قلوبهم ، وفيه التشكي منهم ورد الأمر إلى علمه بما كابدوا منهم . وقيل المعنى لا علم لنا إلى جنب علمك ، أو لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا وإنما الحكم للخاتمة . وقرئ { علام } بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله { إنك أنت } ، أي إنك أنت الموصوف بصفاتك المعروفة وعلام منصوب على الاختصاص أو النداء . وقرأ أبو بكر وحمزة الغيوب بكسر الغين حيث وقع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.