تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

قال الله تعالى : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ } أي : فقد كذبكم الذين عَبَدْتُم فيما زعمتم أنهم لكم أولياء ، وأنكم اتخذتموهم قربانا يقربونكم{[21437]} إليه زلفى ، كما قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 - 6 ] .

وقوله : { فَمَا{[21438]} صَرْفًا وَلا نَصْرًا } أي : لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم ، { وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ } أي : يشرك بالله ، { نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } .


[21437]:- في أ : "يقربوبكم".
[21438]:- في أ : "فلا" وهو خطأ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } .

يقول تعالى ذكره مخبرا عما هو قائل للمشركين عند تبرّي من كانوا يعبدونه في الدنيا من دون الله منهم : قد كذّبوكم أيها الكافرون من زعمتم أنهم أضلوكم ودعوكم إلى عبادتهم بما تَقُولُونَ يعني بقولكم ، يقول : كذّبوكم بكذبكم .

وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعُزيزا والملائكة ، يكذّبون المشركين .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فَقَدْ كَذّبوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ قال : عيسى وعُزير والملائكة ، يكذّبون المشركين بقولهم .

وكان ابن زيد يقول في تأويل ذلك ، ما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعونَ صَرْفا وَلا نَصْرا قال : كذّبوكم بما تقولون بما جاء من عند الله جاءت به الأنبياء والمؤمنون آمنوا به وكذب هؤلاء .

فوجه ابن زيد تأويل قوله : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ إلى : فقد كذّبوكم أيها المؤمنون المكذّبون بما جاءهم به محمد من عند الله بما تقولون من الحقّ ، وهو أن يكون خبرا عن الذين كذّبوا الكافرين في زعمهم أنهم دعَوْهم إلى الضلالة وأمروهم بها ، على ما قاله مجاهد من القول الذي ذكرنا عنه ، أشبه وأولى لأنه في سياق الخبر عنهم . والقراءة في ذلك عندنا : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ بالتّاء ، على التأويل الذي ذكرناه ، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه . وقد حُكي عن بعضهم أنه قرأه : «فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا يَقُولُونَ » بالياء ، بمعنى : فقد كذّبوكم بقولهم .

وقوله جلّ ثناؤه : فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفا وَلا نَصْرا يقول : فما يستطيع هؤلاء الكفار صرف عذاب الله حين نزل بهم عن أنفسهم ، ولا نَصْرَها من الله حين عذّبها وعاقبها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفا وَلا نَصْرا قال : المشركون لا يستطيعونه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : فَمَا تَسْتَطيعُونَ صَرفا وَلا نَصْرا قال : المشركون .

قال ابن جُرَيج : لا يستطيعون صرف العذاب عنهم ، ولا نصر أنفسهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفا وَلا نَصْرا قال : لا يستطيعون يصرفون عنهم العذاب الذي نزل بهم حين كُذّبوا ، ولا أن ينتصروا . قال : وينادي منادٍ يوم القيامة حين يجتمع الخلائق : ما لكم لا تناصرون ؟ قال : من عبد من دون الله لا ينصر اليوم من عبده ، وقال العابدون من دون الله لا ينصره اليوم إلهه الذي يعبد من دون الله ، فقال الله تبارك وتعالى : بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ . وقرأ قول الله جلّ ثناؤه : فإنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ .

ورُوي عن ابن مسعود في ذلك ما :

حدثنا به أحمد بن يونس ، قال : حدثنا القاسم ، قال : حدثنا حجاج ، عن هارون ، قال : هي في حرف عبد الله بن مسعود : «فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَكَ صَرْفا » .

فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة ، صحّ التأويل الذي تأوّله ابن زيد في قوله : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ ، ويصير قوله : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ خبرا عن المشركين أنهم كذّبوا المؤمنين ، ويكون تأويل قوله حينئذٍ : فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفا وَلا نَصْرا فما يستطيع يا محمد هؤلاء الكفار لك صرفا عن الحقّ الذي هداك الله له ، ولا نصر أنفسهم ، مما بهم من البلاء الذي همّ فيه ، بتكذيبهم إياك .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين به : وَمَنْ يَظْلِمْ منْكُمْ أيها المؤمنون يعني بقوله : وَمَنْ يَظْلِمْ ومن يشرك بالله فيظلم نفسه فذلك نذقه عذابا كبيرا ، كالذي ذكرنا أن نذيقه الذين كذّبوا بالساعة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله : وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ قال : يُشْرك نُذِقْهُ عَذَابا كَبِيرا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ قال : هو الشرك .