الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

قوله : { بِمَا تَقُولُونَ } : هذه الجملةُ من كلامِ اللهِ تعالى اتفاقاً ، فهي على إضمارِ القولِ والالتفاتِ . قال الزمخشري : " هذه المفاجأةُ بالاحتجاجِ والإِلزامِ حسنةٌ رائعةٌ ، وخاصةً إذا انضمَّ إليها الالتفاتُ وحَذْفُ القولِ . ونحُوها قولُه عَزَّ وجَلَّ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مَّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } [ المائدة : 19 ] وقولُ القائل :

قالوا خُراسانُ أَقْصى ما يُرادُ بنا *** ثم القُفُوْلُ فقد جِئْنا خُرسانا

انتهى . يريد : أن الأصلَ في الآيةِ الكريمة : فقُلْنا : قد كَذَّبوكم ، وفي البيت فقلنا : قد جِئْنا . والخطابُ في " كَذَّبوكم " للكفارِ ، فالمعنى : فقد كَذَّبكم المعبودون بما تقولون مِنْ أنَّهم أَضَلُّوكم . وقيل : المعنى : فقد كَذَّبوكم فيما تقولون من الافتراءِ عليهم أنَّهم أَضَلُّوكم ، وقيل : هو خطابٌ للمؤمنين في الدنيا أي : فقد كَذَّبكم أيَّها المؤمنون الكفارَ بما تقولون من التوحيدِ في الدنيا .

وقرأ أبو حيوة وقنبل في رواية ابن أبي الصلت عنه بالياءِ مِنْ تحتُ أي : فقد كَذَّبكم الآلهةُ بما يقولون { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ } إلى آخِرِه . وقيل : المعنى : فقد كَذَّبكم أيها المؤمنونَ الكفَّارُ بما يقولون من الافتراءِ عليكم .

قوله : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ } قرأ حفص بتاءِ الخطاب والمرادُ عبادُها . والباقون بياءِ الغَيْبة . والمرادُ الآلهةُ التي كانوا يعبُدونها مِنْ عاقلٍ وغيرِه ؛ ولذلك غَلَّب العاقَل فجيْءَ بواوِ الضميرِ .

قوله : { نُذِقْهُ } العامَّةُ بنونِ العظمةِ ، وقرىء بالياءِ ، وفي الفاعلِ وجهان ، أظهرهُما : أنَّه اللهُ تعالى لدلالةِ قراءةِ العامَّةِ على ذلك . والثاني : أنه ضميرُ الظلمِ المفهومِ من الفعل . وفيه تَجَوُّزُ بإسناد إذاقةِ العذابِ إلى سببِها وهو الظلمُ .