المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

وقوله تعالى : { فقد كذبوكم } الآية خطاب من الله تعالى بلا خلاف ، فمن قال إن المجيب الأصنام كان معنى هذه إخبار الكفار أن أصنامهم قد كذبوهم ، وفي هذه الأخبار خزي وتوبيخ ، والفرقة التي قالت إن المجيب هو الملائكة وعزير وعيسى ونحوهم اختلفت في المخاطب بهذه الآية ، فقالت فرقة المخاطب الكفار على جهة التقريع والتوبيخ وقالت فرقة المخاطب هؤلاء المعبودون أعلمهم الله تعالى أن الكفار بأفعالهم القبيحة قد كذبوا هذه المقالة وزعموا أن هؤلاء هم الأولياء من دون الله ، وقالت فرقة خاطب الله تعالى المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أي كذبوكم أيها المؤمنون الكفار فيما تقولونه من التوحيد والشرع ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم «بما يقولون فما يستطيعون » بالياء فيهما ، وقرأ حفص عن عاصم «بما تقولون فما تستطيعون » بالتاء فيهما ، وقرأ الباقون وأبو بكر أيضاً عن عاصم والناس «تقولون » بالتاء من فوق «فما يستطيعون » بالياء من تحت ، ورجحها أبو حاتم ، وقرأ أبو حيوة «يقولون » بالياء ، من تحت «فما تستطيعون » بالتاء من فوق ، وقال مجاهد الضمير في «يستطيعون » هو للمشركين ، قال الطبري وفي مصحف ابن مسعود ، «فما يستطيعون لك صرفاً » وفي قراءة أبي بن كعب «لقد كذبوك فما يستطيعون لك » ، قال أبو حاتم في حرف عبد الله «لكم صرفاً » على جمع الضمير ، و { صرفاً } معناه ردّ التكذيب أو العذاب أو ما اقتضاه المعنى بحسب الخلاف المتقدم ، وقوله { ومن يظلم منكم نذقه ، } ، قيل هو خطاب للكفار ، وقيل للمؤمنين ، والظلم هنا الشرك قاله الحسن وابن جريج وقد يحتمل أن يعم غيره من المعاصي ، وفي حرف أبي «ومن يكذب منكم نذقه عذاباً كبيراً » .