مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

{ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها : { ياأهل الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل } إلى قوله { فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ } [ المائدة : 19 ] وقول القائل

قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا . . . ثم القفول فقد جئنا خراساناً

{ بِمَا تَقُولُونَ } بقولكم فيهم إنهم آلهة ، والباء على هذا كقوله : { بَلْ كَذَّبُواْ بالحق } [ ق : ] والجار والمجرور بدل من الضمير كأنه قيل : فقد كذبوا بما تقولون . وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم : { سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء } والباء على هذا كقولك «كتبت بالقلم » { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً } { فما يستطيعون } أي فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصرونكم . وبالتاء حفص أي فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم . ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله { وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ } أي يشرك لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى : { إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] { نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } فسر بالخلود في النار وهو يليق بالشرك دون الفاسق إلا على قول المعتزلة والخوارج .