تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

[ الآية 19 ] وقوله تعالى : { فقد كذبوكم بما تقولون } أي فقد كذبكم أولئك المعبودون بما تقولون : إنهم أمرونا بذلك ، وكانوا عندهم صدقة .

وقوله تعالى : { فما تستطيعون صرفا ولا نصرا } هذا يحتمل وجوها :

أحدهما : أي ما يستطيع أولئك الكفرة صرف قول من عبدوهم{[14358]} وتكذيبهم حين كذبوهم قولهم { ولا نصرا } أي ولا استطاعوا الانتصار منهم حين كذبوهم . وعلى ذلك تخرج قراءة قرأ بالتاء{[14359]} { فما تستطيعون صرفا ولا نصرا } .

[ والثاني ]{[14360]} : يحتمل : فما يستطيع{[14361]} أولئك المعبودون صرف عذاب الله ونقمته عنكم ، ولا كانوا لهم نصراء ، لأنهم قالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] وقالوا{[14362]} : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } [ الزمر : 3 ] .

والثالث : { فما تستطيعون صرفا } أي فداء { ولا نصرا } أي لا يقبل منهم الفداء ، ولا كان لهم ناصر ، ينصرهم في دفع العذاب عنهم كقوله : { ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة } [ البقرة : 123 ] .

وقال القتبي وأبو عوسجة : [ قال بعضهم : الصرف الحيلة من قولهم لينصرف ، و ]{[14363]} قال بعضهم : الصرف النافلة ، سميت صرفا لأنها زيادة على الواجب والعدل : الفريضة .

وقد روي في الخبر : " من طلب صرف الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس لم يرح رائحة الجنة " [ بنحوه الترمذي 2654 ] . أي من طلب تحسينه بالزيادة فيه .

وقال بعضهم : الصرف [ والعدل : الفدية ]{[14364]} : رجل مثله [ كأنه يريد ، لا يقبل منه أن يفتدى برجل مثله ]{[14365]} وعدله ، و لا يصرف عن نفسه بديته . ومنه قيل : [ صراف : صرف ]{[14366]} الدراهم بالدنانير لأنه{[14367]} يصرف هذا [ إلى هذا ] {[14368]} . وأصله من ذكرنا .

قال القتبي وأبو عبيدة : { قوما بورا } أي هلكى ، وهو من بار يبور إذا هلك ، وبطل ، يقال : بار الطعام ، إذا كسد ، وبارت الأيم إذا لم يرغب فيها . وفي الخبر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من بوار الأيم .

قال أبو عبيدة : يقال : رجل بور ، وقوم بور ؛ لا يثنى ، ولا يجمع . وقال أبو عوسجة { قوما بورا } لا خير فيهم ، ورجل بائر . وكذلك قال أبو زيد : { قوما بورا } ليس فيهم من الخير شيء . وقال قتادة : { قوما بورا } فاسدين بلغة أهل عمان ، وقال : ما نسي قوم ذكر الله قط إلا باروا ، وفسدوا .

وقوله تعالى : { ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا } أما على قول الخوارج ، كل ظلم ارتكبه [ امرؤ ]{[14369]} فهو في ذلك الوعيد على أصل مذهبهم ، وعلى قول المعتزلة : كل صاحب كبيرة في ذلك الوعيد . وأما على قول المسلمين : فلذلك الوعيد لمرتكبي الظلم : ظلم [ الكفر والشرك ] {[14370]} ، وأما دون ذلك فهو في مشيئة الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه .


[14358]:- في الأصل وم: عبدوه.
[14359]:- انظر معجم القراءات القرآنية ج 4/280.
[14360]:- في الأصل وم: و.
[14361]:- في الأصل وم: يستطيعون.
[14362]:- في الأصل وم: و.
[14363]:- ساقطة من م.
[14364]:- في الأصل وم: الدية والعدل.
[14365]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14366]:- في الأصل وم: صار في صرف.
[14367]:- في الأصل وم: لأنك.
[14368]:- من م، ساقطة من الأصل.
[14369]:- ساقطة من الأصل وم.
[14370]:- في الأصل وم: كفر وشرك.