البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَقَدۡ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسۡتَطِيعُونَ صَرۡفٗا وَلَا نَصۡرٗاۚ وَمَن يَظۡلِم مِّنكُمۡ نُذِقۡهُ عَذَابٗا كَبِيرٗا} (19)

{ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا }

وقرأ الجمهور { بما تقولون } بالتاء من فوق .

وأبو حيوة وابن الصلت عن قنبل بالياء من تحت .

وقرأ حفص وأبو حيوة والأعمش وطلحة { فما تستطيعون } بتاء الخطاب ، ويؤيد هذه القراءة أن الخطاب في { كذبوكم } للكفار العابدين .

وذكر عن ابن كثير وأبي بكر أنهما قرآ بما يقولون فما يستطيعون بالياء فيهما أي هم .

{ صرفاً } أي صرف العذاب أو توبة أو حيلة من قولهم إنه ليتصرف أي يحتال ، هذا إن كان الخطاب في { كذبوكم } للكفار فالتاء جارية على ذلك ، والياء التفات وإن كان للمعبودين فالتاء التفات .

والياء جارية على ضمير { كذبوكم } المرفوع وإن كان الخطاب للمؤمنين أمّة الرسول عليه السلام في قوله { فقد كذبوكم } فالمعنى أنهم شديدو الشكيمة في التكذيب { فما تستطيعون } أنتم صرفهم عما هم عليه من ذلك .

وبالياء فما يستطيعون { صرفاً } لأنفسهم عما هم عليه .

أو ما يستطيعون صرفكم عن الحق الذي أنتم عليه .

{ ولا نصراً } لأنفسهم من البلاء الذي استوجبوه بتكذبيهم .

{ ومن يظلم منكم } الظاهر أنه عام .

وقيل : خطاب للمؤمنين .

وقيل : خطاب للكافرين .

والظلم هنا الشرك قاله ابن عباس والحسن وابن جريج ، ويحتمل دخول المعاصي غير الشرك في الظلم .

وقال الزمخشري : العذاب الكبير لاحق لكل من ظلم والكافر ظالم لقوله { إن الشرك لظلم عظيم } والفاسق ظالم لقوله { ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون } انتهى وفيه دسيسة الاعتزال .

وقرىء : يذقه بياء الغيبة أي الله وهو الظاهر .

وقيل : هو أي الظلم وهو المصدر المفهوم من قوله { يظلم } أي يذقه الظلم .