تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

وقوله : { وَهَذَا كِتَابٌ } يعني : القرآن { أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى } يعني : مكة { وَمَنْ حَوْلَهَا } من أحياء العرب ، ومن سائر طوائف بني آدم من عرب وعجم ، كما قال في الآية الأخرى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] ، وقال { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقال { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] ، وقال { تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ الفرقان : 1 ] ، وقال { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [ آل عمران : 20 ] ، وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعْطِيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنّ أحد من الأنبياء قبلي " وذكر منهن : " وكان النبي يبعث إلى قومه ، وبعثت إلى الناس عامة " {[10963]} ؛ ولهذا قال : { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي : كل من آمن بالله واليوم الآخر آمن بهذا الكتاب المبارك الذي أنزلناه إليك يا محمد ، وهو القرآن ، { وَهُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } أي : يقومون بما افترض عليهم ، من أداء الصلوات في أوقاتها .


[10963]:صحيح البخاري برقم (335) وصحيح مسلم برقم (521).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَهََذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مّصَدّقُ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ وَمَنْ حَوْلَهَا وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىَ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وَهَذَا القرآن يا محمد كِتابٌ وهو اسم من أسماء القرآن قد بينته وبينت معناه فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . ومعناه : مكتوب ، فوضع الكتاب مكان المكتوب . أنْزَلْناهُ يقول : أوحيناه إليك ، مُبارَكٌ وهو مفاعل من البركة ، مُصَدّقٌ الّذِي بينَ يَدَيْهِ يقول : صدّق هذا الكتاب ما قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه قبلك ، لم يخالفها ولا بنبأ ، وهو معنى «نورا وهدى للناس » ، يقول : هو الذي أنزل إليك يا محمد هذا الكتاب مباركا مصدّقا كتاب موسى وعيسى وغير ذلك من كتب الله ، ولكنه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عنه ، إذ كان قد تقدّم الخبر عن ذلك ما يدلّ على أنه به متصل ، فقال : وهذا كتاب أنزلناه إليك مبارك ، ومعناه : وكذلك أنزلت إليك كتابي هذا مباركا ، كالذي أنزلت من التوراة إلى موسى هدى ونورا .

وأما قوله : وَلِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا فإنه يقول : أنزلنا إليك يا محمد هذا الكتاب مصدّقا ما قبله من الكتب ، ولتنذر به عذاب الله وبأسه من في أمّ القرى وهي مكة ومن حولها شرقا وغربا من العادلين بربهم غيره من الاَلهة والأنداد ، والجاحدين برسله وغيرهم من أصناف الكفار .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَلِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا يعني بأمّ القرى : مكة ومن حولها من القرى إلى المشرق والمغرب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وأمّ القرى : مكة ، ومَنْ حَوْلَها : الأرض كلها .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : وَلِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى قال : هي مكة . وبه عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أن الأرض دُحِيت من مكة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَن حَوْلَهَا كنا نحدّث أن أمّ القرى : مكة ، وكنا نحدّث أن منها دُحيت الأرض .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَلِتُنْذِرَ أُم القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا أما أمّ القرى : فهي مكة وإنما سميت أمّ القرى ، لأنها أول بيت وضع بها . وقد بينا فيما مضى العلة التي من أجلها سميت مكة أمّ القرى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

القول في تأويل قوله تعالى : والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالاَخِرةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ على صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ .

يقول تعالى ذكره : ومن كان يؤمن بقيام الساعة والمعاد في الاَخرة إلى الله ويصدق بالثواب والعقاب ، فإنه يؤمن بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد ويصدّق به ويقرّ بأن الله أنزله ، ويحافظ على الصلوات المكتوبات التي أمره الله بإقامتها لأنه منذر من بلغه وعيد الله على الكفر به وعلى معاصيه ، وإنما يجحد به وبما فيه ويكذب أهل التكذيب بالمعاد والجحود لقيام الساعة ، لأنه لا يرجو من الله إن عمل بما فيه ثوابا ، ولا يخاف إن لم يجتنب ما يأمره باجتنابه عقابا .