فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

{ وهذا كتاب أنزلناه } هذا من جملة الرد عليهم في قولهم : { ما أنزل الله على بشر من شيء } أخبرهم بأن الله أنزل التوراة وعقبه بقوله : { وهذا كتاب } أنزله الله من عنده على محمد صلى الله عليه وسلم فكيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء { مبارك } كثير البركة والخير دائم والنفع ، وأصل البركة النماء والزيادة { مصدق } أي كثير التصديق { الذي بين يديه } أي ما أنزله الله من الكتب من السماء على الأنبياء من قبله كالتوراة والإنجيل ، فإنه يوافقها في الدعوة إلى الله وإلى توحيده وإن خالفها في بعض الأحكام .

{ ولتنذر أم القرى } خصها وهي مكة لكونها أعظم القرى شأنا ، ولكونها أول بيت وضع للناس ، ولكونها قبلة هذه الأمة ومحل حجهم ، قال قتادة : بلغني أن الأرض دحيت من مكة ولهذا سميت بأم القرى وقيل لأنها سرة الأرض ، والمراد بإنذارها إنذار أهلها وهو مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض فهو على تقدير مضاف محذوف .

{ ومن حولها } يعني جميع البلاد والقرى شرقا وغربا ، وفيه دليل على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض كافة .

{ والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به } أي أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ويصدقه ويعمل بما فيه ، لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ويندفع بها ضرها .

{ وهم على صلاتهم يحافظون } خص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها ، وكونها أشرف العبادات بعد الإيمان بالله تعالى ، فإذا كان العبد محافظا عليها حافظ على جميع العبادات والطاعات ، والمعنى يداومون عليها في أوقاتها ، والحاصل أن الإيمان بالآخرة يحمل على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك يحمل على المحافظة على الصلاة .