إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

{ وهذا كتاب أنزلناه } تحقيقٌ لنزول القرآن الكريم بعد إنزال ما بَشَّر به من التوراة ، وتكذيبٌ لهم في كلمتهم الشنعاءِ إثرَ تكذيبٍ { مُبَارَكٌ } أي كثيرُ الفوائد وجمُّ المنافع { مُصَدّقُ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ } من التوراة لنزوله حسبما وُصِف فيها أو الكتُبِ التي قبله فإنه مصدِّقٌ للكل في إثبات التوحيد والأمرِ به ونفي الشرْك والنهي عنه وفي سائر أصولِ الشرائعِ التي لا تُنسخ { وَلِتُنذِرَ أُمَّ القرى } عطفٌ على ما دل عليه ( مبارك ) أي للبركات ولإنذراك أهلَ مكةَ وإنما ذُكرت باسمها المُنبئ عن كونها أعظمَ القرى شأناً وقِبْلةً لأهلها قاطبةً إيذاناً بأن إنذارَ أهلِها أصلٌ مستتبِعٌ لإنذار أهلِ الأرض كافةً ، وقرئ ( لينذر ) بالياء على أن الضمير للكتاب { وَمَنْ حَوْلَهَا } من أهل المدَر{[223]} والوبَر في المشارق والمغارب { والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة } وبما فيها من أفانين العذاب { يُؤْمِنُونَ بِهِ } أي بالكتاب لأنهم يخافون العاقبةَ ولا يزال الخوف يحمِلُهم على النظر والتأمُّل حتى يؤمنوا به { وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } تخصيصُ محافظتِهم على الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات التي لابد للمؤمنين من أدائها للإيذان بإنافتِها{[224]} من بين سائر الطاعات وكونِها أشرفَ العباداتِ بعد الإيمان .


[223]:أهل المدر: الذين يسكنون بيوتا من طين، وأهل الوبر الذين يسكنون الخيام.
[224]:إنافتها: ارتفاعها.