تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

المفردات :

أم القرى : مكة سميت بذلك لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم وأعظم القرى شأنا . وقيل : لأنها مكان أول بيت وضع للناس .

التفسير :

92- وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها . . . الآية .

أي كثير الفوائد لاشتماله على منافع الدين والدنيا .

فقد اشتمل القرآن على أشرف العلوم وأكملها وهي معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه كما اشتمل على بيان السبيل إلى طهارة الأخلاق وتزكية النفس ؛ وتشريع العبادات والمعاملات كما يقول الإمام الرازي في تفسيره . ثم قد جرت سنة الله بأن الباحث في القرآن والمتمسك به يجعل له عز الدنيا وسعادة الآخرة .

مصدق الذي بين يديه . موافق للكتب التي سبقته في التوحيد وفي تنزيه الله ، وفي أصول العقائد ، .

ولتنذر أم القرى ومن حولها .

أي ولتنذر بهذا الكتاب أم القرى : مكة ومن حولها : من أطراف الأرض شرقا وغربا لعموم بعثته - صلى الله عليه وآله وسلم – قال تعالى : وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه . ( الشورى : 7 ) .

وسميت بأم القرى لأنها مكان أول بيت وضع للناس ، ولأنها أهل القرى كلها ومكان حجهم ، ولأنها أعظم القرى شأنا وغيرها كالتبع لها ، كما يتبع الفرع الأصل .

وقد ثبت عموم بعثته صلى الله عليه وآله وسلم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة .

قال تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا . . . الآية . ( سبأ : 28 ) .

وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي :

1- نصرت بالرعب مسيرة شهر .

2- وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا .

3- وأحلت لي الغنائم .

4- وأعطيت الشفاعة .

5- وأرسل كل نبي إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .

وقد أجمعت الأمة الإسلامية على عموم رسالته صلى الله عليه وآله وسلم .

قال السيد رشيد رضا في تفسير المنار : ( وزعم بعض اليهود المتقدمين وغيرهم أن المراد بمن حولها بلاد العرب ، واستدلوا به على أن بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة بقومه من العرب ، والاستدلال باطل وإن سلم التخصيص المذكور فإن إرساله إلى قومه لا ينافي إرساله إلى غيرهم ، وقد ثبتت عموم رسالته من آيات أخرى . ا . ه .

و إذا تأملت وجدت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لقومه عندما جمعهم أنه رسول الله إليهم خاصة و إلى الناس عامة .

ومن الأدلة على عموم رسالته قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . . . ( الأنبياء : 107 ) .

والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون . أي والذين يؤمنون بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب يؤمنون بهذا الكتاب الذي أنزله الله هداية ورحمة لأن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ، وحرص على العمل الصالح الذي ينفعه .

وهم على صلاتهم يحافظون . أي يؤدونها في أوقاتها مقيمين لأركانها وآدابها في خشوع واطمئنان ، وخصت الصلاة بالذكر لكونها أشرف العبادات وأعظمها خطرا بعد الإيمان .

فهي عماد الدين ، وسبيل إلى طهارة النفس ونظافة القلب وهي الصلة بين المؤمن وربه ، قال تعالى : اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . . . ( العنكبوت : 45 ) .