غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

91

ثم لما ذكر حال التوراة أعقبه بذكر القرآن فقال { وهذا كتاب أنزلناه } وفائدة هذا الوصف أنه كان من الممكن أن يظن أن محمداً مخصوص من الله بعلوم كثيرة يتمكن بسببها من تركيب القرآن على هذا النسق من الفصاحة ، فنفى ذلك الوهم وبين أن الله هو الذي تولى إنزاله بالوحي على لسان جبريل عليه السلام { مبارك } كثير خيره دائم نفعه باعث على الخيرات زاجر عن المنكرات لما فيه من أصول العلوم النظرية والعملية . وقد جرت سنة الله تعالى بأن الباحث عنه والمتمسك به يفوز بعز في الدنيا وسعادة في الآخرة وقد جرب فوجد كذلك . { مصدق الذي بين يديه } أي موافق لما قبله من الكتب الإلهية . أما في الأصول فلأنه يمتنع وقوع التفاوت فيها بحسب الأزمنة والأمكنة ، وأما في الفروع فلأنها مشتملة على التبشير بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم . ويحصل منه أن التكاليف الموجودة فيها إنما تبقى إلى وقت ظهوره ثم تصير منسوخة { ولتنذر } من قرأ بتاء الخطاب فظاهر ، ومن قرأ على الغيبة فلأنه أسند الإنذار إلى الكتاب مجازاً لأنه سبب الإنذار { إنما أنذركم بالوحي } [ الأنبياء : 45 ] وهو معطوف على ما دل عليه سائر الأوصاف كأنه قيل : أنزلناه للبركة ولتصديق ما تقدمه من الكتب وللإنذار ، قال ابن عباس : سميت مكة أم القرى لأن الأرضين دحيت من تحتها . وقال أبو بكر الأصم : لأنها قبلة أهل الدنيا فصارت هي كالأصل وسائر البلاد تبعاً ، وأيضاً الناس يجتمعون إليها للحج وللتجارة كما يجتمع الأولاد إلى الأم . وقيل : لأن الكعبة أول بيت وضع للناس . وقيل : إن مكة أول بلدة في الأرض ولا بد من تقدير مضاف محذوف أي أهل أم القرى ومن حولها . قيل : المراد أهل جزيرة العرب فاستدل اليهود بذلك على أنه مبعوث إلى العرب فقط . وأجيب بأن تخصيص هذه المواضع بالذكر لا يدل على نفي ما عداها لاسيما وقد ثبت بالتواتر أنه كان يدعي أنه رسول إلى العالمين . ويحتمل أن يقال : ما حوالي مكة يتناول جميع البلاد { والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به } أي بهذا الكتاب لأن أصل الدين خوف العاقبة فمن خالفها لم يزل به الخوف حتى يؤمن . وليس لأحد من الأنبياء مبالغة في تقرير قاعدة البعث والقيامة مثل محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه أن كفار مكة يبعد منهم قبول هذا الدين لأنهم كانوا لا يعتقدون البعث والحشر { وهم على صلاتهم يحافظون } يعني أن الإيمان بالآخرة كما أنه يحمل المكلف على الإيمان بالنبي وبالكتاب كذلك يحمله على محافظة الصلوات . وخص الصلاة بالذكر لأنها عماد الدين وسنام الطاعات كاد المحافظ عليها أن يأتي بأخواتها كلها ويجتنب المنكرات بأسرها .

/خ100