فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

قوله : { وهذا كتاب أنزلناه مُبَارَك } هذا من جملة الرد عليهم في قولهم : { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ من شَيء } أخبرهم بأن الله أنزل التوراة على موسى ، وعقبه بقوله : { وهذا كتاب أنزلناه } يعني على محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف تقولون : { مَا أَنزَلَ الله على بَشَرٍ من شَيْء } ومبارك ومصدق صفتان لكتاب ، والمبارك كثير البركة ، والمصدق كثير التصديق ، والذي بين يديه ما أنزله الله من الكتب على الأنبياء من قبله ، كالتوراة والإنجيل ، فإنه يوافقها في الدعوة إلى الله ، وإلى توحيده ، وإن خالفها في بعض الأحكام . قوله : { وَلِتُنذِرَ } قيل : هو معطوف على ما دل عليه مبارك ، كأنه قيل أنزلناه للبركات ولتنذر ، وخص أم القرى وهي مكة ، لكونها أعظم القرى شأناً ، ولكونها أوّل بيت وضع للناس ، ولكونها قبلة هذه الأمة ومحلّ حجهم ، فالإنذار لأهلها مستتبع لإنذار سائر أهل الأرض ، والمراد بمن حولها : جميع أهل الأرض ، والمراد [ بإنذار ] أمّ القرى : إنذار أهلها وأهل سائر الأرض ، فهو على تقدير مضاف محذوف كسؤال القرية { والذين يُؤْمِنُونَ بالآخرة } مبتدأ ، و { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } خبره ، والمعنى : أن من حق من صدق بالدار الآخرة أن يؤمن بهذا الكتاب ، ويصدقه ، ويعمل بما فيه ، لأن التصديق بالآخرة يوجب قبول من دعا الناس إلى ما ينال به خيرها ، ويندفع به ضرّها . وجملة : { وَهُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } في محل نصب على الحال ، وخص المحافظة على الصلاة من بين سائر الواجبات لكونها عمادها وبمنزلة الرأس لها .

/خ94