النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلۡقُرَىٰ وَمَنۡ حَوۡلَهَاۚ وَٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَهُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ يُحَافِظُونَ} (92)

قوله عز وجل : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلَنَاهُ مُبَارَكٌ } يعني القرآن ، وفي { مُبارَكٌ } ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه العظيم البركة لما فيه من الاستشهاد به .

والثاني : لما فيه من زيادة البيان لأن البركة هي الزيادة .

والثالث{[916]} : أن المبارك الثابت .

{ مُّصَدِقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } فيه قولان :

أحدهما : الكتب التي قبله من التوراة ، والإِنجيل ، وغيرهما ، قاله الحسن البصري .

والثاني : النشأة الثانية ، قاله علي بن عيسى .

{ وَلِتُنذِرَ أُمَّ القُرَى } يعني أهل أم القرى ، فحذف ذكر الأهل إيجازاً كما قال :

{ وَاسْأَلِ القَرْيَةَ }{[917]}

[ يوسف : 82 ] .

و { أُمَّ القُرَى } مكة وفي تسميتها بذلك أربعة أقاويل :-

أحدها : لأنها مجتمع القرى ، كما يجتمع الأولاد إلى الأم .

والثاني : لأن أول بيت وضع بها ، فكأن القرى نشأت عنها ، قاله السدي .

والثالث : لأنها معظمة كتعظيم الأم ، قاله الزجاج .

والرابع : لأن الناس يؤمونها من كل جانب ، أي يقصدونها .

ثم قال : { وَمَنْ حَوْلَهَا } قال ابن عباس : هم أهل الأرض كلها .

{ وَالَّذِينَ يَؤْمِنُونَ بِالآخرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } وفيما ترجع إليه هذه الكناية قولان :

أحدهما : إلى الكتاب ، وتقديره : والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون بهذا الكتاب ، قاله الكلبي .

والثاني : إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وتقديره : والذين يؤمنون بالآخرة ، يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم لِمَا قد أظهر الله تعالى من معجزته وأَبَانَه الله من صدقه ، قاله الفراء .

فإن قيل : فمن يؤمن بالآخرة من أهل الكتاب لا يؤمنون به ؟ قيل : لا اعتبار لإِيمانهم بها لتقصيرهم في حقها ، فصاروا بمثابة من لم يؤمن بها .


[916]:- سقط من ق.
[917]:- وهو من باب حذف المضاف كقوله تعالى في سورة يوسف "واسأل القرية التي كنا فيها" أي واسأل أهل القرية.