تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي : في أكنة .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي : لا تفقه .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } [ قال ]{[2145]} هي القلوب المطبوع عليها .

وقال مجاهد : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } عليها غشاوة .

وقال عكرمة : عليها طابع . وقال أبو العالية : أي لا تفقه . وقال السدي : يقولون : عليها غلاف ، وهو الغطاء .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } هو كقوله : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصلت : 5 ] .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، في قوله : { غُلْفٌ } قال : يقول : قلبي في غلاف فلا يَخْلُص إليه ما تقول ، قرأ{[2146]} { وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ }

وهذا هو الذي رجحه ابن جرير ، واستشهد مما روي من حديث عمرو بن مُرّة الجملي ، عن أبي البختري ، عن حذيفة ، قال : القلوب أربعة . فذكر منها : وقلب أغلف مَغْضُوب عليه ، وذاك قلب الكافر .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العَرْزَمي ، أنبأنا أبي ، عن جدي ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } قال : لم تختن .

هذا{[2147]} القول يرجع معناه إلى ما تقدم من عدم طهارة قلوبهم ، وأنها بعيدة من الخير .

قول آخر :

قال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } قال قالوا : قلوبنا مملوءة علمًا لا تحتاج إلى علم محمد ، ولا غيره .

وقال عطية العوفي : { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ } أي : أوعية للعلم .

وعلى هذا المعنى جاءت قراءة بعض الأنصار{[2148]} فيما حكاه ابن جرير : " وقالوا قلوبنا غُلُف " بضم اللام ، أي : جمع غلاف ، أي : أوعية ، بمعنى أنهم ادعوا{[2149]} أن قلوبهم مملوءة بعلم لا يحتاجون معه إلى علم آخر . كما كانوا يَمُنُّون{[2150]} بعلم التوراة . ولهذا قال تعالى : { بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ } ، أي : ليس الأمر كما ادعوا بل قلوبهم ملعونة مطبوع عليها ، كما قال في سورة النساء : { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 155 ] . وقد اختلفوا في معنى قوله : { فَقَلِيلا مَّا يُؤْمِنُونَ } وقوله : { فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا } ، فقال بعضهم : فقليل من يؤمن منهم [ واختاره فخر الدين الرازي وحكاه عن قتادة والأصم وأبي مسلم الأصبهاني ] وقيل : فقليل إيمانهم . بمعنى أنهم يؤمنون بما جاءهم به موسى من أمر المعاد والثواب والعقاب ، ولكنه إيمان لا ينفعهم ، لأنه مغمور بما كفروا به من الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم .

وقال بعضهم : إنهم كانوا غير مؤمنين بشيء ، وإنما قال : { فَقَلِيلا مَا يُؤْمِنُونَ } وهم بالجميع كافرون ، كما تقول العرب : قلما رأيت مثل هذا قط . تريد : ما رأيت مثل هذا قط . [ وقال الكسائي : تقول العرب : من زنى بأرض قلما تنبت ، أي : لا تنبت شيئًا ]{[2151]} .

حكاه{[2152]} ابن جرير ، والله أعلم .


[2145]:زيادة من جـ، ط.
[2146]:في جـ، ط، ب: "وقرأ".
[2147]:في جـ، ط، ب: "وهذا".
[2148]:في أ، و: "بعض الأمصار".
[2149]:ف جـ: "أنهم زعموا".
[2150]:في أ: "كما كانوا يكتمون".
[2151]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[2152]:في جـ، ط، ب: "حكاها".