فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

{ وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ، ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } .

{ وقالوا قلوبنا غلف } جمع أغلف المراد به هنا الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه فلا يعي ولا يفقه ، قال في الكشاف هو مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } وقيل إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر أي قلوبنا أوعية للعلم فما بالها لا تفهم عنك وقد وعينا علما كثيرا فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره ، فرد الله عليهم ما قالوه فقال { بل لعنهم الله بكفرهم } أي طردهم وأبعده من كل خير ، وأصل اللعن في كلام العرب الطرد والإبعاد { فقليلا ما يؤمنون } وصف إيمانهم بالقلة لأنهم الذين قص الله علينا من عنادهم وعجرفتهم وشدة لجاجهم وبعدهم من إجابة الرسل ما قصه ، ومن جملة ذلك أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض .

وقال معمر : المعنى لا يؤمنون إلا بقليل مما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، قال الواقدي معناه لا يؤمنون قليلا ولا كثيرا ، قال الكسائي تقول العرب مررنا بأرض قلما تنبث الكراث والبصل أي لا تنبث شيئا ، وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القلوب أربعة : قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه ، وقلب منكوس ، وقلب مصفح ، فأما القلب المنكوس فقلب منافق عرف ثم أنكر ، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب ، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح ، فأي المادتين غلبت على الأخرى غلبت عليه " . وقال قتادة : لا يؤمن منهم إلا قليل لأن من آمن من المشركين كان أكثر منهم . وقيل فزمانا قليلا يؤمنون فهو على حد قوله { آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } .