فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

والغُلف جمع أغلف ، المراد به هنا : الذي عليه غشاوة تمنع من وصول الكلام إليه ، ومنه : غلفت السيف ، أي : جعلت له غلافاً . قال في الكشاف : هو : مستعار من الأغلف الذي لم يختن كقوله : { قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصلت : 5 ] وقيل إن الغلف جمع غلاف مثل حمار وحمر : أي : قلوبنا أوعية للعلم ، فما بالها لا تفهم عنك ، وقد وعينا علماً كثيراً ، فردّ الله عليهم ما قالوه فقال : { بَل لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ } وأصل اللعن في كلام العرب الطرد ، والإبعاد ، ومنه قول الشماخ :

ذَعَرْتُ به القَطا وَنَفَيْتُ عنه *** مَقامَ الذِّئِب كالرجل اللّعين

أي : كالرجل المطرود . والمعنى : أبعدهم الله من رحمته ، و { قَلِيلاً } نعت لمصدر محذوف ، أي : إيماناً قليلاً { مَّا يُؤْمِنُونَ } و«ما » زائدة ، وصف إيمانهم بالقلة ؛ لأنهم الذين قصّ الله علينا من عنادهم ، وعجرفتهم ، وشدّة لجاجهم ، وبعدهم عن إجابة الرسل ما قصه ، ومن جملة ذلك : أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ، ويكفرون ببعض .

وقال معمر : المعنى لا يؤمنون إلا قليلاً مما في أيديهم ، ويكفرون بأكثره ، وعلى هذا يكون { قليلاً } منصوباً بنزع الخافض . وقال الواقدي : معناه لا يؤمنون قليلاً ، ولا كثيراً . قال الكسائي : تقول العرب مررنا بأرض قلَّ ما تنبت الكراث ، والبصل ، أي : لا تنبت شيئاً .

/خ88