الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ} (88)

{ وَقَالُواْ } يعني اليهود { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } قرأ ابن محيصن بضم اللام ، وقرأ الباقون بجزمه . فمن خففه فهو جمع الأغلف مثل أصفر وصُفر وأحمر وحُمر وهو الذي عليه غطاء وغشاء بمنزلة الأغلف غير المختون فالأغلف والأعلف واحد ومعناه عليها غشاوة فلا تعي ولا تفقه ما تقول يا محمّد .

قاله مجاهد وقتادة نظيره قوله عزّ وجلّ { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } [ فصّلت : 5 ] ، ومن ثقّل فهو جمع غلاف مثل حجاب وحجب وكتاب وكتب ، ومعناه : قلوبنا أوعية لكلّ علم فلا نحتاج إلى علمك وكتابك . قالهُ عطاء وابن عبّاس .

وقال الكلبي : يريدون أوعية لكلّ علم فهي لا تسمع حديثاً إلاّ وعته إلاّ حديثك لا تفقهه ولا تعيه ولو كان فيه خيراً لفهمته ووعته .

قال الله عزّ وجلّ { بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } وأصل اللعن الطرد والأبعاد تقول العرب [ نماء ] ولعين أي بُعد . قال الشّماخ :

ذعرت به القطا ونفيت عنه *** مقام الذنب كالرّجل اللعين

فمعنى قوله : لعنهم الله طردّهم وأبعدهم من كل خير ، وقال النضر بن شميل : الملعون المخزي المهلك . { فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ } معناه لا يؤمن منهم إلاّ قليلاً ؛ لأنّ من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود ، قاله قتادة ، وعلى هذا القول ما : صلة معناه فقليلاً يؤمنون ، ونصب قليلاً على الحال .

وقال معمر : معناه لا يؤمنون إلاّ بقليل بما في أيديهم ويكفرون بأكثره ، وعلى هذا القول يكون { قَلِيلا } منصوباً بنزع حرف الصّفة وما صلة أيّ فبقليل يؤمنون .

وقال الواقدي وغيره : معناه لا يؤمنون قليلاً ولا كثيراً ، وهذا كقول الرّجل لأخر : ما قل ما تفعل وكذا يريد لا تفعله البتة .

وروى الفراء عن الكسائي : مررنا بأرض قلَّ ما ينبت الكراث والبصل يريدون لا ينبت شيئاً .