وقوله تعالى : { إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه } ، يعني : إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا فيه وهم اليهود . روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أمرهم موسى بتعظيم يوم الجمعة فقال : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوماً ، فاعبدوه في يوم الجمعة ولا تعملوا فيه شيئاً من صنعتكم ، وستة أيام لصنعتكم ، فأبوا عليه وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق ، وهو يوم السبت فجعل ذلك اليوم عليهم وشدد عليهم فيه ، ثم جاءهم عيسى عليه السلام أيضاً بيوم الجمعة . فقالت النصارى : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا ، يعنون اليهود ، فاتخذوا الأحد ، فأعطى الله عز وجل الجمعة لهذه الأمة فقبلوها ، فبورك لهم فيها ( ق ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا فاختلفوا فيه ، وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي فرض عليهم ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له فهم لنا فيه تبع ، فغداً لليهود ، وبعد غد للنصارى » ، وفي رواية لمسلم : « نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة » وفي رواية أخرى له قال : « أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا ، فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد ، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة ، فجعل الجمعة والسبت والأحد ، وكذلك هم لنا تبع يوم القيامة نحن الآخرون في الدنيا ، الأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق » . قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم : قال العلماء في معنى الحديث : نحن الآخرون في الزمان والوجود ، السابقون في الفضل ودخول الجنة ، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم . وقوله : بيد أنهم ، يعني : غير أنهم أو إلا أنهم . وقوله : فهذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له قال : القاضي عياض : الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين ، ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه ، فاختلف أحبارهم في تعيينه ولم يهدهم الله له ، وفرضه على هذه الأمة مبيناً ، ولم يكلهم إلى اجتهادهم ففازوا بفضيلته قال : يعني : القاضي عياضاً ، وقد جاء أن موسى عليه السلام أمرهم بيوم الجمعة ، وأعلمهم بفضله فناظروه أن السبت أفضل . فقيل له : دعهم . قال القاضي : ولو كان منصوصاً عليه لم يصح اختلافهم فيه بل كان يقول : خالفوا فيه . قال الشيخ محيي الدين النووي : ويمكن أن يكونوا أمروا به صريحاً ونص على عينه ، فاختلفوا فيه هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله فأبدلوه ، وغلطوا في إبداله . قال الإمام فخر الدين الرازي في قوله تعالى : { على الذين اختلفوا فيه } ، يعني : على نبيهم موسى ، حيث أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت ، فاختلافهم في السبت كان اختلافاً على نبيهم في ذلك اليوم ، أي : لأجله وليس معنى قوله : اختلفوا فيه ، أن اليهود اختلفوا ، فمنهم من قال بالسبت ، ومنهم من لم يقل به ؛ لأن اليهود اتفقوا على ذلك .
وزاد الواحدي على هذا فقال : وهذا مما أشكل على كثير من المفسرين حتى قال بعضهم : معنى الاختلاف في السبت أن بعضهم قال : هو أعظم الأيام حرمة ؛ لأن الله فرغ من خلق الأشياء ، وقال الآخرون بل الأحد أفضل ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ، ابتدأ فيه بخلق الأشياء ، وهذا غلط ؛ لأن اليهود لم يكونوا فريقين في السبت ، وإنما اختار الأحد النصارى بعدهم بزمان طويل . فإن قلت : إن اليهود إنما اختاروا السبت ؛ لأن أهل الملل اتفقوا على أن الله خلق الخلق في ستة أيام ، وبدأ الخلق والتكوين في يوم الأحد ، وتم الخلق يوم الجمعة وكان يوم السبت يوم فراغ ، فقالت اليهود : نحن نوافق ربنا في ترك العمل في هذا اليوم ، فاختاروا السبت لهذا المعنى . وقالت النصارى : إنما بدأ بخلق الأشياء في يوم الأحد فنحن نجعل هذا اليوم عيداً لنا ، وهذان الوجهان معقولان فما وجه فضل يوم الجمعة حتى جعله أهل الإسلام عيداً ؟ قلت : يوم الجمعة أفضل الأيام ؛ لأن كمال الخلق وتمامه كان فيه ، وحصول التمام والكمال يوجب الفرح والسرور ، فجعل يوم الجمعة عيداً بهذا الوجه وهو أولى . ووجه آخر وهو أن الله عز وجل خلق فيه أشرف خلقه ، وهو آدم عليه السلام وهو أبو البشر وفيه تاب عليه ، فكان يوم الجمعة أشرف الأيام لهذا السبب ؛ ولأن الله سبحانه وتعالى اختار يوم الجمعة لهذه الأمة وادخره لهم ، ولم يختاروا لأنفسهم شيئاً ، وكان ما اختاره الله لهم أفضل مما اختاره غيرهم لأنفسهم ، وقال بعض العلماء : بعث الله موسى بتعظيم يوم السبت ، ثم نسخ بيوم الأحد في شريعة عيسى عليه السلام ، ثم نسخ يوم السبت ، ويوم الأحد بيوم الجمعة في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان أفضل الأيام يوم الجمعة ، كما أن محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء . وفي معنى الآية قول آخر قال قتادة : الذين اختلفوا فيه ، اليهود استحله بعضهم ، وحرمه بعضهم ، فعلى هذا القول يكون معنى قوله : إنما جعل السبت ، أي : وبال السبت ولعنته على الذين اختلفوا فيه ، وهم اليهود فأحله بعضهم فاصطادوا فيه ، فلُعنوا ومسخوا قردة وخنازير في زمن داود عليه السلام ، وقد تقدمت القصة في تفسير سورة الأعراف وبعضهم ثبت على تحريمه ، فلم يصطد فيه شيئاً ، وهم الناهون ، والقول الأول أقرب إلى الصحة . وقوله تعالى : { وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } ، يعني : في أمر السبت ، فيحكم الله بينهم يوم القيامة ، فيجازي المحققين بالثواب ، المبطلين بالعقاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.