فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّمَا جُعِلَ ٱلسَّبۡتُ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱخۡتَلَفُواْ فِيهِۚ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (124)

إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( 124 ) }

{ إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ } ، أي : وبال السبت ، وهو المسخ في زمن داود عليه السلام ، أو فرض تعظيم السبت وترك الصيد فيه ، { عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ } ، وهم اليهود لا على غيرهم من الأمم .

وقد اختلف العلماء في كيفية الاختلاف الكائن بينهم في السبت ، فقالت طائفة : أن موسى أمرهم بيوم الجمعة وعينه لهم وأخبرهم بفضيلته على غيره ، فخالفوه وقالوا : أن السبت أفضل ، فقال الله له دعهم وما اختاروا لأنفسهم .

وقيل : عن الله أمرهم بتعظيم يوم في الأسبوع فاختلف اجتهادهم فيه ، فعينت اليهود السبت ؛ لأن الله سبحانه فرغ فيه من الخلق ؛ وعينت النصارى يوم الأحد ؛ لأن الله بدأ فيه الخلق ، فألزم الله كلا منهم ما أدى إليه اجتهاده ، وعين لهذه الأمة الجمعة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم فضلا منه ونعمة .

ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أن اليهود كانوا يزعمون أن السبت من شرائع إبراهيم عليه السلام ، فأخبر الله سبحانه أنه إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه ، ولم يجعله على إبراهيم ولا على غيره ، وإنما شرع ذلك لبني إسرائيل بعد مدة طويلة .

قال الواحدي : هذا مما أشكل على كثير من المفسرين ، حتى قال بعضهم : معنى الاختلاف في السبت أن بعضهم قال : هو أعظم الأيام حرمة ، وقال آخرون : الأحد أفضل ؛ وهذا غلط ؛ لأن اليهود لم يكونوا فرقتين في السبت ، وإنما اختار الأحد النصارى بعدهم بزمان طويل .

وعن مجاهد في الآية قال : أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانها ، وعن أبي مالك وسعيد بن جبير في الآية قالا باستحلالهم إياه ، رأى موسى عليه السلام رجلا يحمل حطبا يوم السبت ، فضرب عنقه .

وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم ، يعني : الجمعة ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، اليهود غدا والنصارى بعد غد ) ( 1 ) {[1068]} وأخرج مسلم وغيره من حديث حذيفة نحوه .

{ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } ، أي : بين المختلفين فيه ، { يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، فيجازي فيه كلا بما يستحقه ثوابا وعقابا ، كما وقع منه سبحانه المسخ لطائفة منهم والتنجية لأخرى .


[1068]:مسلم 855 – البخاري 177.