لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (111)

قوله سبحانه وتعالى : { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } ، يعني : تخاصم وتحتج عن نفسها ، أي : بما أسلفت من خير وشر ، واشتغلت بالمجادلة لا تتفرغ إلى غيرها . فإن قلت : النفس هي نفس واحدة ، وليس لها نفس أخرى ، فما معنى قوله كل نفس تجادل عن نفسها ؟ قلت : إن النفس قد يراد بها بدن الإنسان ، وقد يراد بها مجموع ذاته وحقيقته ، فالنفس الأولى هي مجموع ذات الإنسان وحقيقته ، والنفس الثانية هي بدنه فهي عينها وذاتها أيضاً ، والمعنى : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ، ولا يهمه غيره ، ومعنى هذه المجادلة الاعتذار بما لا يقبل منه ، كقولهم : { والله ربنا ما كنا مشركين } ، ونحو ذلك من الاعتذارات . { وتوفى كل نفس ما عملت } ، يعني : جزاء ما عملت في الدنيا من خير أو شر ، { وهم لا يظلمون } ، يعني : لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئاً ، بل يوفون ذلك كاملاً من غير زيادة ولا نقصان . روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب الأحبار : خوفنا ، فقال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو وافيت القيامة بمثل عمل سبعين نبياً ، لأتت عليك ساعات وأنت لا يهمك إلا نفسك ، وإن جهنم لتزفر زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه ، حتى إبراهيم خليل الرحمن يقول : يا رب لا أسألك إلا نفسي ، وإن تصديق ذلك فيما أنزل الله تعالى يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها . وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يا رب لم تكن لي أيدٍ أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ولا عين أبصر بها ، ويقول الجسد : يا رب خلقتني كالخشبة ، ليست لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاء هذا الروح كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وبه أبصرت عيناي وبه مشت رجلاي ، فضرب الله لهما مثلاً أعمى ومقعد دخلا حائطاً ، يعني : بستاناً فيه ثمار ، فالأعمى لا يبصر الثمار ، والمقعد لا يناله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر ، فعليهما العذاب .